جمعتهم الثورة وفرقتهم الديمقراطية.. قصص 13 ضابطًا غيروا تاريخ مصر
أن يكون أحدهم ضابطًا ينتمي إلى تنظيم سري في صفوف القوات المسلحة، فهذا يعني أنه في انتظار مصير من اثنين لا ثالث لهما، فإما النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة، أو الاستعداد للوقوف أمام المشنقة في انتظار تنفيذ الحكم ضده بتهمة قلب نظام الحكم، ولم يكن هذا ببعيد عن الضباط الأحرار، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وخاضوا أخطر عملية تغيير سياسي في تاريخ مصر، من الملكية إلى الجمهورية، إذ تحتم عليهم مواجهة نظام ملكي قائم برمته، تمتد فيه جذور الفساد حتى التغلغل، والخطأ لا بد أن تكون نسبته صفر، وعليه بدأ العقل المدبر بنسج خيوط خطته، التي تحولت إلى شبكة متينة أوقعت فيها نظام الملك فاروق، بدأ تنفيذها في ساعة الصفر ليلة 23 يوليو 1952.
في التقرير التالي نستعرض لكم قصص 13 ضابطًا قاموا بثورة يوليو 1952، وغيروا تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
1- جمال عبد الناصر
ضابط شاب برتبة «بكباشي» يبلغ من العمر 34 عامًا، امتلك من الجرأة والعزم ما يكفي للتدبير لقلب نظام الحكم، حالمًا بانتشال مصر من ظلام الملكية إلى شمس الجمهورية، حيث اجتمعت الخلية الأولى في منزله، يوليو 1949 بشكل سري، وضم الاجتماع ضباطًا من مختلف الانتماءات والاتجاهات الفكرية، وفي عام 1950 تم انتخابه رئيسًا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، ثم رئيسًا للجنة تنظيم الضباط الأحرار، وحتى ليلة انطلاق الثورة في 23 يوليو 1952 لم يكن أحد يعلم بأسماء جميع المشاركين بالثورة سوى جمال عبد الناصر.
نجحت الثورة وتولى عبد الناصر منصب نائب رئيس الوزراء، ثم دب الخلاف بينه واللواء محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة الثورة، و«الواجهة» التي نفذت من خلالها الثورة إلى الشوارع، ليصدر المجلس قراره برئاسة ناصر، باعتقال نجيب وإعفائه من منصبه مع تحديد إقامته حتى وفاته، ليتولى بعد ذلك جمال عبد الناصر منصب رئيس الجمهورية بعد نجاحه في اكتساب أرضية شعبية لدى المصريين.
2- عبد الحكيم عامر
صديق العمر، ورفيق كفاح جمال عبد الناصر، والرجل الثاني في حركة الضباط الأحرار، إذ كان مطلعًا دون غيره على أمور داخل التنظيم السري، ورافق ناصر في جميع تحركاته لترسيخ أقدام الحركة، وفي ليلة الثورة كان كظل جمال عبد الناصر، حتى أنهما تم إلقاء القبض عليهما بالخطأ على يد جنود موالين للحركة لم يتعرفوا عليهما، لكن سرعان ما تم تدارك الأمر، وانتقل الاثنان إلى مقر القيادة، حيث أشرفا على تنفيذ الخطة الموضوعة سلفًا.
كان عامر من أكثر المستفيدين بنجاح الثورة، إذ تمت ترقيته من رتبة صاغ «رائد» إلى رتبة لواء وهو لا يزال في الـ34 من العمر متخطيا 3 رتب عسكرية، كما عُين وزيرًا للحربية في عام 1954، واستمر تدرجه في الترقيات حتى وصل إلى رتبة مشير وهو لا يزال في الـ39 من عمره.
3- أنور السادات
المصادر التاريخية تؤكد أن أنور السادات لم يكن أحد نجوم تنظيم الضباط الأحرار اللامعين، لكن دوره الذي حُدد له في خطة السيطرة على القاهرة هو الذي منحه نجومية لمجرد أنه يجيد القراءة باللغة العربية الفصحى بصوت مميز، والأدهى أن البعض يؤكد تعمّد اصطحاب “السادات” لزوجته “جيهان” في ليلة الثورة إلى سينما الروضة، التي تعرض 3 أفلام في البرنامج الواحد، رغم علمه بمدى حساسية تلك الفترة، خاصة أن ناصر بعث له برقية يوم 22 يوليو، قائلًا: «الثورة قد تحدد لقيامها ما بين 22 يوليو و5 أغسطس»، ولم يكتفِ بالذهاب إلى السينما فقط وإنما تعمد إثارة مشكلة وعمل محضر في القسم ليثبت حالة.
فسّر البعض ذلك التصرف على أنه محاولة للإفلات من مقصلة الملك التي كانت ستطيح برقاب الجميع إذا ما فشلت الثورة، إلا أن ذلك لم يحدث وصدرت الأوامر للسادات بالتحرك إلى مبنى الإذاعة في شارع الشريفين، للسيطرة عليه وإعلان بيان نجاح الثورة، ونفذ المهمة على خير وجه، وحصل على اللقطة التي تضعه في الصف الأول بتنظيم الضباط الأحرار في سجلات التاريخ، إلا أن الامتيازات التي نالها توضح ضآلة دوره في تنظيم الضباط الأحرار، إذ عُين وزيرًا في عام 1954، ثم انتخب عضوًا لمجلس النواب، كما انتخب رئيسًا لمجلس الأمة للفترة الثانية من 29 مارس 1964 إلى 12 نوفمبر 1968، حتى اختاره ناصر نائبًا له في عام 1969 كإجراء روتيني اعتاد جمال عبد الناصر على اتخاذه مع أعضاء مجلس قيادة الثورة بين الحين والآخر.
4- زكريا محيي الدين
انضم زكريا محيي الدين إلى تنظيم الضباط الأحرار قبل قيام الثورة بحوالي 3 أشهر، وكان ضمن خلية جمال عبد الناصر، إذ شارك في وضع خطة التحرك للقوات، كما كان المسؤول عن عملية تحرك الوحدات العسكرية، وقاد عملية محاصرة القصور الملكية في الإسكندرية، وذلك في أثناء تواجد الملك فاروق الأول هناك.
لم يكن زكريا مجرد عضو بالتنظيم، بل كان أحد المقربين القلائل الذي وثق بهم جمال عبد الناصر، ويتضح ذلك من المناصب التي أسندها له بعد نجاح الثورة، حيث عينه مديرًا للمخابرات الحربية، ثم وزيرًا للداخلية، ثم أسند إليه مهمة إنشاء المخابرات العامة، وصولًا إلى تعيينه في منصب رئيس الوزراء، حتى كلفه ناصر بتولي منصب رئيس الجمهورية بعد “نكسة 67″، لكنه تعرض لهجوم شديد واضطر إلى الاستقالة واعتزال الحياة العامة حتى وفاته.
5- خالد محيي الدين
كان من أوائل المنضمين لحركة الضباط الأحرار السرية في عام 1944، ثم أصبح عضوًا في مجلس قيادة الثورة، إلا أنه كان يتعارض فكريًا مع جمال عبد الناصر، حتى أن الأخير وصفه بـ«الصاغ الأحمر»، في إشارة إلى توجهاته محيى الدين اليسارية، وحينما دعا «الصاغ» رفاقَه في مارس 1954 إلى العودة لثكناتهم العسكرية لإفساح مجال لإرساء قواعد حكم ديمقراطي، نشب خلاف بينه وجمال عبد الناصر ومعظم أعضاء مجلس قيادة الثورة، فاستقال على إثره من المجلس، وآثر – ربما تحت ضغوط من جمال عبد الناصر – الابتعاد إلى سويسرا لبعض الوقت.
6- صلاح سالم
حارب في فلسطين، وهناك تعرف على جمال عبد الناصر في أثناء حصار كتيبته في الفالوجة، وانضم إلى الضباط الأحرار، وكان عضوًا في اللجنة التنفيذية لمجلس قيادة الثورة، وفي ليلة الثورة كان متواجدًا في العريش، مكلفًا بالسيطرة على القوات هناك، وعُرف عنه الشدة والصرامة في كل ما يخص الثورة.
وبعد نجاح الثورة، تولى سالم وزارة الإعلام «الإرشاد القومي» آذناك، في الفترة من 18 يونيو 1953 إلى 7 أكتوبر 1958، كما تولى الإشراف على صحيفتي الشعب والجمهورية، فضلًا عن رئاسته لمجلس إدارة دار التحرير للطباعة والنشر، ولكنه توفي مبكرًا عن عمر 41 عاما في 18 فبراير 1962 بمرض السرطان.
7- جمال سالم
كان من أشرس ضباط التنظيم وأكثرهم تطرفًا، وهو يكبر أخيه صلاح سالم بعامين، ووصفه السادات في مذكراته «البحث عن الذات» بقوله: «كان حاد المزاج، عصبيًا إلى حد غير طبيعي، لا يهاب الدم، وهو ما دفع بالرئيس عبد الناصر في النهاية إلى الحد من اختصاصاته».
شارك جمال سالم في تنظيم الضباط الأحرار، شعبة سلاح الطيران، وبعد نجاح الحركة وسيطرتها على السلطة في مصر، اُختير رئيسًا للجنة العليا للإصلاح الزراعي، والتي لعبت دورًا بارزًا في تصفية ممتلكات كبار ملاك الأراضي الزراعية، كما ترأس محكمة الثورة التي أصدرت الحكم بالإعدام على عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن دوره في نشوب الخلاف بين جمال عبد الناصر واللواء محمد نجيب، وأيضًا آرائه المتطرفة التي أوردها عدد من زملائه في مجلس قيادة الثورة في مذكراتهم، ومنها اقتراحه بإعدام جميع ضباط المدفعية الذين اعترضوا على بعض قرارات المجلس في يناير 1953.
8- حسين الشافعي
كانت مهمة الضابط حسين الشافعي، الذي التحق بتنظيم الضباط الأحرار في سبتمبر 1951، قيادة سلاح الفرسان لحساب الثورة بمدرعاته، ودباباته، وعرباته، حيث تولى قيادة الكتيبة الأولى للمدرعات التي أطاحت بالملكية ليلة 23 يوليو 1952.
عُين الشافعي بعد نجاح الثورة وزيرًا للحربية في عام 1954، ثم وزيرًا للشؤون الاجتماعية، وكان له أثر كبير في إدخال نظام التأمين الاجتماعي وإطلاق برنامجي «معونة الشتاء وقطار الرحمة»، اللذان ساعدا فقراء مصر، ثم عمل وزيرًا للتخطيط، حتى تولى في عام 1961 وزارة شؤون الأزهر، إلى أن اختاره جمال عبد الناصر نائبًا لرئيس الجمهورية في 1963، فضلًا عن رئاسته محكمة الثورة، التي حاكمت الضباط الذين انضموا إلى التمرد الذي قاده وزير الحربية آنذاك، المشير عبد الحكيم عامر، بعد هزيمة يونيو1967.
9- يوسف صديق
ربما أغفلت كتب التاريخ الحديث عن الدور الجوهري لهذا الضابط يوسف صديق، الذي بدأت علاقته بتنظيم الضباط الأحرار عندما تعرف على النقيب وحيد جودة رمضان إبان حرب فلسطين 1948، ليعرض عليه الأخير بعد 3 سنوات الانضمام لتنظيم الضباط الأحرار، فلم يتردد لحظة واحدة في الموافقة، وقبل الثورة بأيام زاره جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر في منزله للتنسيق معه بشأن تحركه في ليلة الثورة.
تحدث عبد الناصر عن دور يوسف الكبير في الثورة، في العيد العاشر لها، وذكر قصة اعتقاله بواسطة قوات الثورة وسعادته لرؤية يوسف صديق الذي فك أسره على الفور، والسبب في ذلك التحرك المبكر الذي قام به بالخطأ، ما أوقع «ناصر وحكيم» في قبضة جنوده، ظنًا منهم أنهم ضد الثورة، فلم يكن يعرف الجميع أن عبد الناصر قائد التنظيم.
وعقب نجاح حركة الضباط الأحرار دعا يوسف صديق إلى عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة، إلا أن دعوته قوبلت بالتجاهل، إلى أن تم اعتقاله وأسرته وإيداعه السجن، الحربي في أبريل 1954، ثم أُفرج عنه في مايو 1955، وحددت إقامته بقريته إلى أن توفي في 31 مارس 1975.
10- كمال الدين حسين
كان عضوًا في اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار، كما شارك في وضع الخطة التفصيلية لتحرك قوات الجيش ليلة الثورة، فقاد سلاح المدفعية وألقى قبض على قائدها، ثم أصبح عضوًا في مجلس قيادة الثورة، وعُين بعد نجاحها وزيرًا للشؤون الاجتماعية عام 1954، ثم وزيرًا للتربية والتعليم، ثم قائدًا لجيش التحرير في عام 1956، إلى أن عُين رئيسًا للوزراء في عام 1961، لكنه تصادم مع عبد الناصر وقدم استقالته 3 مرات، وفي 14 أكتوبر 1965م صدر قرار بتحديد إقامته وزوجته في إحدى الاستراحات بالهرم.
11- عبد اللطيف البغدادي
انضم عبد اللطيف البغدادي لتنظيم الضباط الأحرار عام 1950، وكانت مهمته في سلاح الطيران، وعقب نجاح الثورة حصد عددًا من المناصب، إذ عُين مراقبًا عامًا لهيئة التحرير، ثم وزيرًا للحربية في عهد الرئيس محمد نجيب، ثم عين في 16 سبتمبر 1953 رئيساً لأول محكمة للثورة، وفي 17 إبريل 1954 عين وزيرًا للشؤون البلدية والقروية، وظل يتدرج في المناصب إلى أن عينه جمال عبد الناصر نائبًا لرئيس الجمهورية لشؤون الإنتاج، ومع دخوله عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، ظل بمجلس الرئاسة لفترة ثم قدم استقالته واعتزل الحياة السياسية في مارس 1964.
12- عبد المنعم أمين
انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار مباشرة قبل بداية الثورة في 23 يوليو 1952، وكان المسؤول عن وحدات المدفعية، المشاركة في الثورة، وبعد نجاح الثورة وكانت مهمته حصار قصر رأس التين بالإسكندرية؛ حيث يقيم الملك فاروق.
تولى بعد ذلك قيادة سلاح الفرسان، وسلاح حرس الحدود، وكذلك محافظة أسوان، ويعد من الجنود المجهولة التي قلما تذكرها كتب التاريخ فيما يخص أبطال ثورة يوليو 52.
13- جمال حماد
انضم لتنظيم الضباط الأحرار عام 1950 عن طريق صديقه الصاغ أ.ح عبد الحكيم عامر، واشترك في الفعاليات الأولى لثورة 23 يوليو 1952، كما كتب بنفسه البيان الأول للثورة الذي ألقاه البكباشي أنور السادات صباح يوم 23 يوليو من مقر هيئة الإذاعة.
تولى جمال حماد بعدها منصب مدير مكتب القائد العام محمد نجيب، وبعد الإطاحة بالأخير من منصبه وتحديد إقامته اعترض، فتم انتدابه للعمل كملحق عسكري لمصر بين عامي 1952 و1957 في سوريا، لبنان، الأردن، والعراق، كما أطلق عليه «مؤرخ الثورة»، وبرحيله في 27 أكتوبر 2016، يختتم قائمة الضباط الأحرار الذين أصبحوا جميعا في ذمة الله.
المصدر