“رويترز”: نواب الكونجرس يحملون الإخوان مسئولية الفشل.. وأوباما يمسك العصا من المنتصف
عندما جلس الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع كبار مستشاريه للأمن القومي هذا الأسبوع لتحديد موقفه من سيطرة الجيش على السلطة بمصر كانت أمامه خيارات صعبة.
كان بمقدوره أن يشجب ما حدث بوصفه انقلابًا ضد الرئيس محمد مرسي وهو رئيس منتخب ديمقراطيًا وأن يوقف المساعدات الأمريكية لمصر، أو أن يرحب بالخطوة بوصفها استجابة للإرادة الشعبية والاستياء من الحكومة التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون.
لكنه اختار حلاً وسطًا وحث على عودة سريعة للحكم المدني وأمر بمراجعة المعونة الأمريكية لمصر، مما يبرز مخاوف مستشاريه من أن الوقوف بجانب طرف ضد الاخر قد يذكي العنف، لأنه يتيح للمتشددين التذرع بالموقف الأمريكي، وأن هناك حاجة لرد فعل متوازن للحفاظ على نهج دبلوماسي مرن.
وهذا يكشف الكثير عن نهج أوباما إزاء الربيع العربي.. التعامل بحذر دون التلويح بتهديدات.
وحين تبنى أوباما دبلوماسية إيثار السلامة في موقفه من حرب العراق التي يرى أنه ما كان ينبغي أن تخوضها القوات الأمريكية أصلاً، سمح له ذلك بعدم الدفع بمزيد من الجنود الأمريكيين لأتون الحرب.
لكن ذلك عرضه أيضًا لانتقادات لأنه ترك النزاعات المتفاقمة بالمنطقة تتأجج ولانه يتدخل متأخرًا أكثر من اللازم لصياغة الأحداث وتطوراتها، مما أفقد واشنطن نفوذها التقليدي في الشرق الأوسط.
بل أن عدم إدانة واشنطن لإطاحة جيش بحكومة منتخبة ديمقراطيًا قد يقوض أيضًا مصداقية المسئولين الأمريكيين عندما يقدمون النصح عن أهمية حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية بأماكن أخرى من العالم.
وفي الأسابيع القليلة الماضية تضررت بالفعل صورة الولايات المتحدة بعدما كشف ادوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية عن برنامج أمريكي سري مزعوم لمراقبة مواطني وحكومات الدول الأجنبية الصديقة وغير الصديقة.
وقال البيت الابيض أمس الخميس: إن مساعدي أوباما للأمن القومي يضغطون على المسئولين المصريين للتحرك سريعًا نحو حكومة ديمقراطية بعدما عزل الجيش مرسي.
وقال بيان البيت الأبيض: “أعضاء فريق الامن القومي للرئيس على اتصال مع المسئولين المصريين وشركائنا الإقليميين لنقل أهمية العودة السريعة والمسئولة للسلطة الكاملة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيًا بأسرع ما يمكن.”
وفي أنحاء أخرى من الشرق الأوسط شاركت الولايات المتحدة – بتحفظات – في جهود الائتلاف الدولي التي أدت للإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي من الحكم، لكن أوباما انتهج نهجًا حذرًا حيال الحرب الأهلية في سوريا والتي حصدت أرواح أكثر من 100 ألف شخص وشردت مئات الآلاف.
وترك أوباما فرنسا وبريطانيا وتركيا والدول العربية الحليفة للولايات المتحدة تأخذ بزمام المبادرة ووافق الشهر الماضي على مضض على إرسال أسلحة خفيفة للمقاتلين السوريين.
وقال الرئيس الأمريكي لشارلي روز المذيع في محطة بي.بي.اس مبررا خطواته الحذرة في سوريا “من السهل جدا أن تنزلق نحو التزامات أعمق وأعمق.”
وقال دان سينور الذي كان كبير مستشاري السياسة الخارجية للمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة ميت رومني “استمر الرئيس أوباما في هذا التباعد عن الاحداث بالشرق الأوسط وكنت أعتقد أن هناك منعطفات رئيسية خلال العامين الماضيين تجعل من المستحيل أن يبقى متباعدا إلى هذا الحد لكن ثبت خطأي في كل مرة.”
ولا يزال الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الدراما الأطول في تاريخ الشرق الأوسط يحظى بالقدر الأكبر من اهتمام الدبلوماسيين الأمريكيين إذ يجري وزير الخارجية الأمريكي جون كيري دبلوماسية المكوك هناك على أمل إقناع الجانبين بالعودة إلى المحادثات المباشرة المتوقفة منذ وقت طويل.
ولم يتدخل أوباما شخصيًا بعد في جهود كيري علانية على الأقل.
وبينما يعارض المسئولون الأمريكيون أي تلميح إلى أنهم لم يعطوا الشرق الأوسط الاهتمام الكافي لا يوجد شك في أن إدارة أوباما اهتمت بتعزيز علاقاتها مع دول آسيا والمحيط الهادي وانشغلت في القضايا الداخلية من اصلاح قوانين الهجرة إلى توسيع مظلة الرعاية الصحية.
وكثيرا ما يتحدث المسئولون في البيت الأبيض عن حدود قدرة الولايات المتحدة على التأثير في مجريات الثورات العربية التي اجتاحت شمال إفريقيا وسوريا واليمن وهو ما يعكس دون شك مواقف الرئيس.
وقدمت الاطاحة بالرئيس المصري ما يمكن ان يكون فرصة ثانية لأوباما الذي أسهم سحبه للتأييد الأمريكي في الاطاحة بسهولة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك عام 2011 في مواجهة احتجاجات هائلة في الشوارع. وحينها حثت واشنطن الأحزاب المصرية على تبني الديمقراطية.
ويمكن لأوباما على سبيل المثال أن يزيد المساعدات غير العسكرية التي لا تزيد حاليًا عن 250 مليون دولار من اجمالي 1.5 مليار دولار تتلقاها القاهرة سنوياً وايفاد مبعوثين للمساعدة في تقديم المشورة في مرحلة الانتقال للحكم المدني.
لكن إلى أى مدى يمكن أن ينصت المصريون للجانب الأمريكي.. سؤال لايزال ينتظر الإجابة.
وقال جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “في مصر الآن يصعب على الولايات المتحدة أن تتدخل بقوة لأن المصريين عامة يشعرون أن المخاطر كبيرة للغاية ولذلك فان الرغبة في الاستماع للأصوات الخارجية والقدرة على تجنب عواصف السياسة المصرية صعبة للغاية.”
كان المسئولون الأمريكيون على علم بأن مصر تقف على حافة المتاعب مع تزايد الأعداد التي تدفقت للاحتجاج على حكومة مرسي، وأصيبت واشنطن بخيبة أمل بعدما بدا أن الرئيس المصري عاجز عن اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية حاسمة حتى عندما تعلق الأمر بالشروط الميسرة الخاصة ببرنامج مساعدات من صندوق النقد الدولي.
وبحث المسئولون الأمريكيون ما إذا كان يتعين دعوة الاخوان المسلمين إلى عقد اجتماع لبحث المسار أمام الحكومة المصرية وإحاطة مرسي بمساعدين متمرسين، وإنهار كل ذلك حينما تدفقت الحشود على الشوارع وتدخل الجيش.
وربما أساءت إدارة أوباما في الحكم على المزاج الشعبي حينما قالت آن باترسون السفيرة الأمريكية في القاهرة أخيرًا: إن احتجاجات الشوارع ليست الوسيلة لتحقيق التغيير، وفسر كثيرون في مصر تصريحاتها على أنها تأييد لمرسى، وسخرت منها لافتات رفعت في أنحاء القاهرة.
وقال أرون ديفيد ميلر الذي عمل خبيرا لشؤون الشرق الأوسط مع ستة من وزراء الخارجية الأمريكيين “بدلا من التصرف مبكرًا وبحسم مع انتهاكات الاخوان المسلمين للديمقراطية بعثوا برسالة ملتبسة للغاية، بعثوا برسالة مفادها أنهم يدعمون ويساندون بصورة أساسية حكومة مرسي الأمر الذي قوض مصداقيتنا.”
وقال مسئولون أمريكيون: إن قراءة متعمقة لتصريحات باترسون توضح انها لم تكن منحازة لأي طرف في السياسة المصرية.
ولا يبدو أن أي خطوات متعثرة بمصر حتى الان ستسبب متاعب لأوباما في الداخل، ويحجم أعضاء الكونجرس سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين عن مهاجمة الرئيس الامريكي ويصبون غضبهم بدلاً من ذلك على الإخوان المسلمين ويحملونهم مسئولية إضاعة فرصة لترسيخ الديمقراطية في مصر.
وقالت باربرا بوكسر عضو مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا “من المحزن للغاية إن الإخوان المسلمين فشلوا في تحقيق الآمال التي أثارها الربيع العربي، دعونا نأمل أن تكون الخطوات التالية في المرحلة الانتقالية في مصر تجسيدا حقيقيا لأمال وأحلام الغالبية العظمى من الشعب المصري.”
المصدر