عبدالغني الحايس| يكتب: الحقيقة الضائعة
أفلاطون الفيلسوف الشهير قد كتب محاوراته الشهيرة (الجمهورية) وضع فيها الصورة المثالية للحياة فى زمانه وفى كل زمان (المدينة الفاضلة ) ولكن عندما طلبوا منه أن يطبق نظرياته فى إحدى الجزر فشل، أى نجح فيلسوفاً فى صياغة نظرياته وعرضها وفشل عمليًا فى تطبيقها .
ولاشك أننا جميعا نحن المصريون نعرف مشاكل مصر وما فيها من علل ونرى ونسمع السياسيون والنخب يتكلمون ويكتبون ويتجادلون ويثرثرون ويطالبون بما يجب وبما يكون .
ولكن عندما يتولى أحدهم المسئولية يتعثر ويتذمر من النقد واللوم ويأتى بالأعذار ويطالبنا بالصبر وأننا لا نعرف حقيقة الوضع وأن هناك أمور لا يستطيع البوح بها فى العلن وأن هناك ضعف فى المخصصات وتردى فى الإدارة واليد مغلولة بالقوانين والروتين والبروقراطية وغيرها من الأعذار .
ولكن عندما يقف بعيداً عن تحمل المسئولية يناظر ويثرثر ويوجه وينتقد ويشجب ويدين وفى النهاية لا يعطى حلاً وأن أعطي حلاً فيكون من وجهة نظرة وفقط بدون أن يعرف محيط الموضوع وجوانبه وقدرات الدولة على صياغته وتنفيذه .
وأنا على المستوى الشخصي عضو مؤسس فى حزب سياسي من الأحزاب الناشئة بعد ثورة يناير ومثلة كثيرون وتخطى عددهم المائة حزب حتى الآن ولكن أين هي تلك الأحزاب بما فيهم حزبي والذى انا فيه عضو هيئة عليا ومكتب سياسى فأنا لا أعفى نفسي من المسئولية ومن الفشل الذى وصلت إليه الأحزاب جميعها ومن المفترض أنه تقوم للوصول إلى السلطة والإلتحام بالشارع المصرى حلاً ومشاركة فى مشاكل المواطنيين وعرضها وأن تكون تلك الأحزاب تمتلك الكوادر واللجان والرؤية والفكرة والظهير الشعبي الداعم لها .
وكما يقولون لا توجد ديمقراطية بدون تداول للسلطة وأحزاب سياسية تمارسها وبغض النظر عن هذا الكم الهائل من الأحزاب فهو لا يغني ولا يثمن من جوع حتى نكاد نجزم بأنها غير موجودة من الأساس ولم تتحول إلى كرتونية فقط أو تتقوقع فى غرفها الضيقة أو تطل علينا فى بياناتها للشجب والإدانة لنعرف أنها مازلت تنبض .
إنما هى ماتت إكلينيكيا تمامًا ولم يبقى منها سوى أسماء نتذكر بعضها بصعوبة بالغة ناهيك عن بعض الأحزاب التى تغذيها السلطة ويمولها كبار رجال الأعمال ولها تمثيل فى البرلمان وتعبر عن وجهة نظر الحكومة وليس الشعب الذى اختارها فى كثير من الأوقات وكأنها تدفع ضريبة بقائها حية .
ولكي تحيا تلك الأحزاب المريضة وتكون صحية وصحيحة وأن تندمج الأحزاب ذات التوجه الواحد لتقوى من نفسها وأن تحتك وتلتحم بالجماهير لتكون ظهير شعبي حقيقي يكون سندها فى الوصول إلى السلطة ولتحقيق برنامجها ورؤيتها لإدارة شئون البلاد.
ثم نبكي أنه لا يوجد بديل وأن هناك سلطة قمعية مستاثرة بالسلطة وسط غيابهم من الأساس لأن الفكرة لديهم اندثرت وماتت .
ولا ننسى أننا من نخلق أسطورة الزعيم الملهم والرئيس الذى يوجه ويقود والجميع يعمل تحت رعايته وتوجيهاته وننسى أن هناك دستور يقر عمل كل سلطة وأن الدولة دولة مؤسسات وعلى كل مؤسسة أن تسير فى طريقها وتؤدى عملها المنوط بها حسب الخطة الحكومية ولا تنتظر توجيهات .
وأن مرحلة الرئيس المعلم انتهت ويجب أن تنتهى من قواميس المجتمعات العربية فـأسطورة موسوليني الفاشية وهتلر النازية لن تتكر فى المجتمعات الأروبية مثلاً وأن الحكم يجب أن تحكمه قواعد حاكمة وليس عرضة للأهواء ونزوات الحاكم .
ولقد رأينا ما فعله البرلمان برئيسة البرازيل وما يحدث فى كوريا الجنوبية مع رئيستها وقبل ذلك فى إيطاليا مع بيرلسكوني وغيرهم فهل نحن قادرين فى العالم العربي بل والمحيط الأفريقي على محاكمة رئيس فى السلطة، اعتقد لا .
إنما لو هناك ديمقراطية حقيقية ودولة مؤسسات حقيقية تحترم وتعلى الدستور والقانون سنجد ذلك .
لذا علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع مواطنينا فى عرض كل شىء وأن نعترف بمشاكلنا وأن نتحد على حلها والبدء فى الأولويات والتى قد تختلف من منهج الى آخر ولكن يجب أن يكون هناك اجماع دائمًا على الخطوات التى تتم وليس بقرار منفرد من الملهم والرئيس الأوحد فيجب أن تنتهي نظرية الحاكم الفرد .
وفى مصر نعرف مشاكلنا جيداً ولا نحتاج من أحد أن يكررها علينا لأننا نعيش معها وبها ولن يحلها سوانا بتضافر كل القوى على مواجهتها سواء كانت إقتصادية أو سياسية واجتماعية وفى التعليم والصحة وغيرها وفى ظل مساواة بين الجميع وأن نلتزم بالدستور والقانون وهذا لم ولن يتحقق إلا بتحقيق العدالة أولاً والمساواة وفي إطار حياة كريمة تليق بنا كمصريين وقتها فقط سنكون ما نريد .
وإلا سنظل نصرخ فى وجه بعضنا البعض ويقودنا الحاكم الفرد واضعاً الديمقراطية تحت ….
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي بل يعبر عن رأي الكتاب .