رأي

عبد الله إسماعيل | يكتب : و يبقى السؤال ؛ ثورة أم انقلاب ؟

ثورة

 

تأمّلت في حال المشهد السياسي المصري حاليا و ما وصلت إليه الحياة السياسية خصوصا بعد أحداث الثلاثين من يونيو والتي نتج عنها عزل الرئيس محمد مرسي , ثم تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد في مشهد حرصت القيادة العامة للقوات المسلحة أن تنفي عنه وصف الإنقلاب .

بل إن قيادة القوات المسلحة أرادت أن تُضفي عليه المشروعية حينما ألقى بيان العزل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في حضور رموز المرجعيات الدينية شيخ الأزهر , و بابا الأقباط و مشاركة قائد و ممثل جبهة الإنقاذ البرادعي , و وجود رئيس حزب النور السلفي و غيرهم في مشهد يختزل استفتاء شعبي تحت ديموقراطية أثينية اختصرت وجود كل هذه الرموز الدينية و السياسية الممثلة للغالبية من الشعب .

نتيجة لذلك ظهرت المواقف الخارجية بصور متباينة في توصيف ما يحدث في مصر لدى الأمم المتحدة و أمريكا و الاتحاد الأوروبي , فإلى الآن ما زال السؤال معلّقا ؛ هل ما حدث ثورة شعبية أم هو انقلاب عسكري ؟ هذا التباين هو خلاف المواقف الحاسمة التي أعلنتها دول عربية مثل السعودية و الإمارات بدعم التغيير الذي حدث من تدخل المؤسسة العسكرية لوضع حد في مصر لحكم الإخوان المدعوم في المقابل من قطر و تركيا .

و قد أدّى التدخل الحاسم و تصدّر المشهد من قبل المشير السيسي و المؤسسة العسكرية إلى حسم الصراع الذي ساد الحياة السياسية المدنية في مصر , كما سحب البساط من أسفل اليمين المتدين , و أعاد الكُرة مرة أخرى إلى ملعب الصف الثاني من اليمين الفلولي المتلبرل الذي يمتلك أفراده السيطرة على غالبية اقتصاديات السوق المصرية و ذلك تحت إشراف عسكري و أمني ليكون بذلك الحل العاجل .

مع مرور الوقت و مع استمرار التصعيد و تغيّر حدّة الصراع بين السلطة المكلّفة و المنادين بالشرعية , و مع الانقسام الحاد داخل الشارع المصري بين مؤيد لعزل الرئيس مرسي و معارض له , أدى كل ذلك إلى ظهور فئة أخرى من ملتزمي الحياد و التي تنادي بحقوق الإنسان و تنشد تحقيق حلول سياسية تنهي الأزمة في مصر , هذه الفئة و إن كانت تتشكل من اليساريين و الوسط في معظمها إلا أنها تفتقد إلى التنظيم و إيصال صوتها إلى عموم الشارع المصري .

لذلك فمن الضرورة حسم كثير من الأمور و اطلاق المسميات على إسمها , فيتجلّى السؤال بشكل مُلِحْ ؛ هل نطلق على على ما وصلت إليه الحياة السياسية في مصر إنقلاب عسكري مكتمل الأركان ؟ أو أنها ثورة شعبية و امتداد تصحيحي لمسار ثورة الخامس و العشرين من يناير ؟
و الاجابة تكمن في تنصيب القائد العسكري نفسه حاكما للبلاد , فهل وصل السيسي إلى كرسي الحكم في مصر بعد عزل مرسي ؟ الواضح للعيان أن وزير الدفاع استمر في منصبه بل و أقسم اليمين أمام الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور كأحد وزراء الحكومة التي كُلّف بتشكيلها رئيس الوزراء المستقيل مؤخرا الببلاوي , و سيستمر أيضا كوزير دفاع في الحكومة الجديدة برئاسة محلب , و هذا ما يجعل إجابة السؤال نسبية و متغيّرة حسب ما تؤدي إليه الأحداث المتتابعة و ليس تبعا لما تشير إليه التوقعات فقط .

و تتلاحق دائرة الأحداث بسرعة البرق و يسوّق الكثير من الإعلاميين و السياسيين في تقديم مشهد الثلاثين من يونيو و الثالث من يوليو و يوم جمعة التفويض و نتائج الإستفتاء على الدستور على أنها جميعا تصب في رغبتهم المُلحّة لترشيح وزير الدفاع السيسي لمنصب الرئيس و تصدير المشاهد مجتمعة على أنها مطلب شعبي !
و الحقيقة أنه مطلب لفئة من الشعب و لغالبية القنوات التلفزيونية و كل من يتخوّف من إعادة سيناريو وصول الإخوان تحديدا و الإسلاميين عموما إلى السلطة و احتكارها مرة أخرى .
و إلى هؤلاء أقول ناصحا ؛ ربما تتغلب الميول و الأهواء على الرؤية الصحيحة لمصلحة العامة , فإن استمر الوضع في مصر على ما هو عليه و اضطرت الدولة إلى حماية نفسها ممن وضعتهم التجربة الخاطئة في جبهة المعارضة من الإسلاميين , فربما لا نشهد فجر تنمية نحن في أشد الحاجة إليه حاليا , و لا يتوفر ذلك إلا بفتح صفحة جديدة تمحو خلفها كل ارهاصات الثلاثة سنوات الماضية , مصر أيها الأحبة تحتاج اليوم إلى رجل جديد تلتف حوله مؤسسات الدولة و الأطياف السياسية و الشعبية جميعها و تنتهي على يديه حالة الصراع و الاستقطاب الذي جعل كثير من المواطنين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الميل إلى أحد المعسكرين إما الحاكم حاليا أو المعارض الباحث عن شرعيته .
مصر أيها الأحبة ولّادة كما يعرف عنها أبنائها فلا تعلّقوا أحلام أمة بأكملها في شخص واحد و لا تبنوا مصر الجديدة على أكتاف فرد بعينه و لا تحملوا المؤسسة العسكرية فوق طاقتها فليس في الإمكان أفضل مما كان , و لا تنكثوا بأنفسكم الوعد الذي قطعه على نفسه حين قال : شرف إننا نحمي إرادة الناس أعز عندنا وعندي شخصيا من شرف حكم مصر .

 

 

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى