عماد الدين حسين | يكتب : منهج التفاوض بالعنف
أنصار جماعة الإخوان يلومون الحكومة طوال الوقت لأنها تتجاهل تقديم أى بادرة حسن نية لهم. وفى المقابل لم نضبط أحدهم متلبسا -ولو لمرة واحدة – بالطلب من جماعته ان تتوقف عن منهج العنف الذى صار سمة أساسية لتحركات أنصارها.
فى الشهور الأخيرة، أعترف اننى شككت للحظات فى ان الجماعة بريئة من العنف،خصوصا عندما كانت الشرطة تعلن بصورة شبه يومية عن اكتشاف عبوات وقنابل هيكلية لا تنفجر فى محطات المترو وأمام المنشآت العامة.
ظل هذا الشك يراودنى حتى سمعت بأذنى من أحد الإخوان حكاية «المجهولين» الذين ينفذون العمليات بعلم الجماعة ولحسابها.
هذه العمليات لا تزال بسيطة وهدفها ارعاب الناس، واشعارهم بأن الحكومة غير قادرة على حمايتهم. وهو الهدف الجوهرى ايضا وراء العملية الإرهابية الاخيرة والأكثر دموية فى سيناء.
السؤال هو: هل تعتقد الجماعة أنها ــ بهذا المنهج العنيف ــ ستجبر الحكومة على الجلوس إلى طاولة التفاوض معها، أم انه تكتيك لإنهاك النظام فى مدى زمنى معين تمهيدا لإسقاطه أم ان الجماعة تلعب بالطريقتين معا؟!. صار واضحا المنهج والتكتيك: عمليات صغيرة وقنابل بدائية كثيرة، وتعطيل للمواصلات والكهرباء قد لا تتسبب فى إصابات كثيرة، لكنها تبث الخوف وسط المواطنين، وتعطل مصالحهم وتشل حياتهم بطرق متعددة.
النتيجة النهائية ان الناس سيصبون غضبهم على الحكومة لعدم قدرتها على توفير الأمن والأمان أو لعدم قدرتها على القضاء على الإرهابيين. وإذا اضفت المشاكل المعيشية الصعبة التى يعانى منها الناس بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة، يمكنك تخيل على ماذا تراهن الجماعة وكل المنظمات الدائرة فى فلكها حتى لو كانت بلافتات مختلفة.
السيناريو الآخر الذى تراهن عليه الجماعة هو ان الحكومة وهى تتصدى للعنف، ستلجأ حتما إلى إجراءات استثنائية، مثل قوانين الطوارئ والتوسع فى المحاكمات العسكرية بل وربما اللجوء إلى تعطيل الدراسة، وبالتالى فإنها ستقدم أفضل خدمة للجماعة.
هذا السيناريو سيضرب عدة عصافير بإجراء استثنائى واحد أولها انه سيدفع قوى مدنية أخرى إلى الاصطفاف فى نفس خندق الإخوان، وسيزيد تشويه صورة الحكومة فى الخارج.
رهان الإخوان ان الحكومة ــ وهى فى هذه الحالة ــ قد تلجأ إلى الجلوس مع الجماعة على طاولة التفاوض، أو على الأقل تقديم بعض التنازلات لها حتى ولو كانت شكلية، وبالتالى تعود العلاقة بينهما ولو فى «صورة عرفية» إلى ما كان سائدا فى بدايات عهد مبارك.
اذا صح هذا السيناريو من الجماعة فهل تقبله الحكومة؟. المنطق البسيط يقول ان أى إشارة مرونة من الحكومة لجماعة الإخوان وهى تواصل العنف الصغير، فى حين أن «آخرين مقربين» يواصلون الإرهاب الكبير، سيتم تفسيره بصورة خاطئة جدا، خلاصتها ان العنف هو الوسيلة الوحيدة لإجبار الحكومة على التفاوض وتقديم التنازلات.
تشعر الجماعة بأنها فى وضع أفضل فى ظل تزايد مناخ العنف الصغير والكبير، والمثير للسخرية أنها لا تزال تصدق ان الآخرين يصدقون «حكاية السلمية».
السؤال الاخير: هل الجماعة هى التى تريد ان تجذب الحكومة إلى مربع العنف أم ان الأخيرة هى التى تريد شد الجماعة إلى هذا المربع حتى تواصل الضربات الأمنية النوعية إليها؟!. المشاهدات الأخيرة تعطى مؤشرا فى غاية الخطورة وهو ان الجماعة تتحول شيئا فشيئا إلى العنف المنظم، بغض النظر عما إذا كان هذا قرارا مركزيا صادرا من الدوحة واسطنبول ولندن أم انه اجتهادات التنظيم المحلى أو حتى مبادرات فردية.. المهم أن الجماعة التى كنا نظن أنها سلمية، لم تعد موجودة.
المطلوب من الجماعة ان تدين الارهاب علنا وبوضوح ثم تتوقف عن ممارسته على الارض سواء بنفسها أو عبر وكلائها.. وبعدها يمكن الحديث عن التهدئة.
المصدر