عمرو حمزاوى | يكتب : عن حدود استخدام القوة العسكرية
ليس للقوة العسكرية بمفردها أن تحول دون سقوط ترتيبات للحكم تتجاوزها حقائق المجتمعات والدول، وليس لها بمفردها أن تؤسس لترتيبات حكم جديدة ما لم تستند إلى حقائق المجتمعات والدول.
لا أسجل هذا اليوم وحسب لكونى من أنصار الاعتماد على الحلول السلمية والتفاوضية للنزاعات وللصراعات التى تلتهم بلاد العرب، بل أسجله مجددا لكى يدرك من يقرعون طبول الحرب محدودية نتائج استخدام القوة العسكرية بمفردها حين يرتبط الأمر إن بمنع سقوط ترتيبات حكم تتهاوى بفعل حقائق المجتمعات والدول أو التأسيس لترتيبات حكم جديدة تتجاهل الحقائق هذه. أسجله مجددا لكى نعتبر جميعا، ونتذكر تواريخ الفشل القديم والحديث التى أحاطت باستخدام القوة العسكرية بعيدا عن نيل التحرر الوطنى أو تحرير أرض محتلة/ مغتصبة من قبل عدو خارجى أو بعيدا عن المزج بينها وبين أدوات أخرى لمواجهة عصابات الإرهاب والعنف.
لا أسجل هذا اليوم وحسب لكى أشير إلى أوجه القصور الكثيرة التى تحيط بالتدخل العسكرى لبعض الدول العربية فى اليمن ومساعيها لإنقاذ ترتيبات حكم أسقطتها حقائق المجتمع والدولة بكل ما تحمله من حروب الكل ضد الكل وجنون الإرهاب والعنف ودينامية التفتت الصومالى التى تنشر عبثها القوى المذهبية والقبلية وبقايا ترتيبات حكم سابقة وأدوار هدامة للقوى الخارجية، بل لكى أستدعى للرأى العام المصرى وللرأى العام فى بلاد العرب تواريخ فشل استخدام القوة العسكرية بمفردها فى يمن الستينيات إن للإبقاء على حكم الإمام أو للتأسيس لحكم جمهورى يديره الجيش بمفرده، وفى لبنان السبعينيات والثمانينيات التى لم يرتب بها استخدام القوة العسكرية إلا إشعال الحرب الأهلية وإطالة أمدها.
أسجله مجددا لكى نستدعى محدودية استخدام القوة العسكرية بمفردها فى عراق ما بعد الغزو الأمريكى فى 2003 والذى لم تستقر به إلى اليوم ترتيبات الحكم «الجديدة» وتتكالب عليه مشاهد حروب الطوائف والمذاهب وانهيار الدولة وإجرام عصابات الإرهاب دون أفق لاستقرار يأتى به المستقبل القريب، وفى السودان الذى أسفرت به وتجاهل قضايا المواطنة والحقوق والحريات واحترام التنوع الدينى والعرقى عن حروب أهلية مستمرة رتبت انفصال الجنوب عن الشمال ولم تهدأ إلى اليوم فى بعض مناطق الغرب والشرق، وفى سوريا وليبيا السنوات الماضية بعد أن دفع الصراع على السلطة والتكالب على الحكم إلى تفتت للدول الوطنية وانهيار للسلم الأهلى وحروب أهلية يمارس جميع أطرافها إجراما منظما ولا يتورعون عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
لا أسجل هذا اليوم وحسب لأننى أزعم أن اليمن لن ينجو من دينامية التفتت الصومالى سوى بحلول تفاوضية تعيد سلمه الأهلى وتنقذ دولته الوطنية وبتوافقات لمواجهة الإرهاب والعنف وضبط استخدام القوة العسكرية فى الداخل أو لأننى أرى أن بديل العرب الأكثر فاعلية فى التعاطى مع إيران التى تمدد نفوذها الإقليمى خلال الفترة الماضية ليصل إلى أربعة عواصم عربية هو التفاوض الذى قد يحيط به توظيف القوة العسكرية على نحو محدود ومنضبط وفى ظل رؤية متكاملة لترتيبات السلم والأمن الإقليميين، بل لكى أنبه وبصوت مرتفع إلى كارثة المزج بين استخدام القوة العسكرية وبين المقاربة المذهبية لأزمة اليمن أو للعلاقة بين العرب وإيران. فليس لذلك إلا جر عالمنا وجواره إلى أتون حروب ونزاعات وصراعات مسلحة لن ترتب غير تهديد السلم الأهلى وتماسك الدول الوطنية فى مواقع كثيرة ولن تفيد منها سوى عصابات الإرهاب والعنف والقوى الخارجية الطامعة.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
المصدر