ولم تكن لتبدأ حياتك بتوك توك لكنك تنصح به غيرك خوفاً علي سمعة انحيازك السياسي .
الغلاء وأزمة الدولار وفواتير الكهرباء والفشل المروري والإرتباك الإداري كل هذا النوع من المشكلات (مقدور عليه)، يحتاج إصلاحه لبعض الوقت ولبعض (الناس اللي بتفهم)، لكن الشيء الذي لن يمكن إصلاحه أبداً إذا تلف هو (الفطرة)، والفطرة تتلف في مصر بانتظام خلال السنوات السابقة بداية من الفتاة التي عروها في التحرير وامتلك البعض الجرأة علي أن يتجاوز اللحم العاري ليسأل ( هي ايه اللي وداها هناك)، بعدها بدأ منحني فساد الفطرة يتصاعد، الفطرة التي تنتصر للإنسانية علي أي حسابات أخري تتداعي تحت تأييد أعمي أو معارضة حمقاء، وأصبح ميلك السياسي هو الذي يحدد موقفك من أمور لا دخل للسياسة بها.. هذا إذا كانت فطرتك سليمة أصلا.
خلال الأيام الماضية ظهرت أصوات تلقي باللوم علي من فكر في أن يطفش في قارب، البداية كانت من الدولة التي كلبشت الناجين وعاملتهم كمتهمين وليسوا ضحايا، ثم ظهروا أحباب الحكومة في كل مكان بنغمة واحدة عن أن المهاجر طماع وكسول وكان ممكنا أن يبدأ بالـ 30 ألف جنيه – ثمن مكانه في القارب – مشروعا في مصر، والحقيقة بخلاف أن الـ30 ألفا لا تبدأ مشروعا في مصر هذه الأيام إلا لو كنت حضرتك تري أن هذا المهاجر (كبيرُه) أن يعمل علي توك توك أو أن يرضي بعربة توزيع الخضار والفاكهة، أنت تحجم طموحه وتحكم عليه وأنت في منتصف تحقيق طموحك ولديك علاقاتك ولم تكن لتبدأ حياتك بتوك توك لكنك تنصح به غيرك خوفا علي سمعة انحيازك السياسي، لو كان المركب قد غرق أيام الإخوان لقلبت الدنيا، مثلما يفعل الإخوان أيضا مع هذا المركب حاليا.
ليس المال هو كل ما يبحث عنه المهاجر، ربما يبحث عن فرصة حياة أفضل كإنسان، المهاجر لو كان يعرف كيف يحصل علي تأشيرة سفر عادية ويدفع تذكرة طيران ثمنها خُمس ما دفعه للمركب لفعل، لكنه في نظر سفارات بعض الدول درجة ثانية، المهاجر منذ ثلاثين عاما كان يعرف طريقه بسهولة علي ليبيا والعراق (وأهم اتقفلوا)، ومن قفز في المركب ومعه طفلهُ من المؤكد أنه كان يبحث عن المستقبل لا المال، أنا لا أشجع علي الهجرة، لكن سيبوا الناس في همومها ولا تقتلوا من نجا بالمزايدة الفارغة والتنظير من علي كنبة الليفينج، لا تكلبشوا من كان يبحث عن حياة ما أفضل ولكن كلبشوا من جعله يؤمن أنه لن يجدها هنا.