عمر طاهر | يكتب : المَرِح
عزيزى توم هانكس.. أتمنى لك يوماً لطيفاً مثل أفلامك التى لم يحدث أن خذلتنى فى واحد منها، بالمناسبة سمعتك فى فيلم منها تتحدث عن اختيارات كل شخص فى الحياة، ذكرنى كلامك بقصة أريد أن أحكيها لك.
ظهر فى شارعنا كلب حديث الولادة، كنت أتابعه طول الوقت وهو يحاول أن يتعلم النباح مثل بقية بنى جنسه، فيخرج صوته مبحوحا متقطعا بشكل يثير ضحك كل من يتخذ من شارعنا مستقرا له (السايس.. البواب.. صاحب الكشك.. عامل المقهى). كان يختفى قليلا ثم يظهر فجأة بـ«هليلة» فى الشارع، «هليلة» مرحة جعلت الجميع يقعون فى غرامه ويسألون عنه كلما اختفى.
كان أهم ما يميزه هو حبه للحياة، يسير إلى جوار البنات صامتا رافعا رأسه الصغير باتجاههن، أراقبهن وهن يتحاشينه ويسرعن الخطى ثم سرعان ما يسبقهن الجرو بخطوة ثم «يتشقلب» أمامهن على أسفلت الشارع فيثير ضحكهن وتعاطفهن فيسمحن له بأن يكون فى الصحبة حتى نهاية الشارع، يعرف حدود الشارع جيدا فلم يحدث أن عبرها، يستقبل المارين الغرباء بنباحه الكوميدى وشقلبته ومرحه حتى يغادروا الحدود بسلام مؤتنسين بالتشريفة التى يقدمها لهم.
حاول أهل الشارع كثيرا أن يطعموه، وضعوا له بواقى الدجاج وكسر الخبز لكنه لم يكن يقترب أبدا منها، إلى أن رأيته يوما يخرج من تحت إحدى السيارات حاملا فى فمه بقايا ثمرة «خس» أخذ ينظفها بلسانه ثم شرع فى التهامها، وما إن أنهاها حتى نام على جنبه الأيمن فى الظل سعيدا.
يغيب لساعات طويلة ثم يتصادف أن تمر «فسبا» يشغل صاحبها عبر الفلاشة بصوت عالٍ إحدى الأغنيات الشعبية الصاخبة فيظهر الكلب الصغير من مكان ما ويظل يجرى خلف «الفسبا» بطريقة لا تشبه الكلاب، ولكنها أقرب لقفز الكنغر الراقص، قال لى عامل المقهى إنه «كلب دماغ» وإنه قبل يومين وأثناء تنظيف المقهى فجرا عقب انصراف الرواد تسلل إلى أحد الأركان مستكينا هائما فى الملكوت بينما عملية التنظيف تتم برعاية صوت أم كلثوم القادم من الراديو، سألته عن اسم الأغنية فقال العامل «أنا فاكر؟ أسأله».
كلب صغير محب للحياة أصبح نجم الشارع، اعتبرناه هاربا من أهله، وكنا نتساءل عن سر اختياره لهذا الشارع الذى تندر فيه الكلاب، إلى أن اختفى تماما.
سألت السايس فقال إن مجموعة من الكلاب دخلت الشارع فجر أحد الأيام وخرج معهم ولم يعد.
ظننت أن السايس يمنحنى نهاية منطقية ليريحنى، لكننى تذكرت أننى قبل أيام صحوت فجرا على أصوات نباح عالية فى الشارع يتخللها نباح الجرو الصغير المميز، قلت لنفسى إن السايس صادق وإن هذا النباح لابد أنه كان نقاشا عائليا انتهى باصطحاب الابن إلى ملاعب العائلة، وإنه تحت ضغط ما اضطر للرحيل عن العالم الذى اختار أن يعيش فيه بنفسه وبقوانينه الخاصة جدا فى الطعام والانطلاق وحب البشر والموسيقى.
مر وقت طويل افتقدته خلاله إلى أن ظهر من جديد، رأيته يخرج من أسفل السيارة ويجرى باتجاهى بشوشا كعادته، لكنه كان يعرج ويرفع بصعوبة عن الأرض ساقه الخلفية المكسورة، فهمت أن عودته للحياة التى يحبها لم تكن سهلة أبدا.
المصدر