أعمدة

محمد خان | يكتب : شكل الفيلم

محمد خان

أول شىء أفكر فيه قبل تصوير أى فيلم جديد هو شَكل الفيلم حيكون إيه، وإيه الشَكل المناسب للفيلم ولون الشَكل شَكله إيه. مثلا أتذكر أيام فيلم «موعد على العشاء» كان فى خيالى اللون البُنى ليدعم الشكل، ليس معناه أن تكون ألوانه بُنية، لكن المقصود أن تميل نحو الدرجات الداكنة، وهذا يتم بالإضاءة لتخدم عالم بطلته نوال (سعاد حسنى) ورتابة حياتها ثم سعادتها التى لم تدم طويلا وصولا إلى النهاية التراجيدية، فى مناخ شتوى إسكندرانى.

نجد كذلك فى كل من «أحلام هند وكاميليا» و«فتاة المصنع» ألوانا مبهجة عن قصد لتكسر كليشيه أن الفقر مرادفه ألوان بائسة، وبالتالى لم تغرنى أبدا الموجة التى أصابت أفلامنا المصرية مؤخرا أمريكية أوروبية النزعة بألوان مصبوغة خارج الواقع، فأصبحت الصبغة البرتقالى نهارا والأزرق ليلا، وأصبح الضباب يطل خلف النوافذ، ولا مانع من تسربه إلى الداخل، عناصر مُفبركة، البركة فى عبقرية الديجيتال، والاعتماد على التلوين وضبط الإضاءة بعد التصوير لتصبح أساسيات فى تكوين شكل الفيلم.

فى ظل المُسمى بالتطور تمسكت شخصيا بمبدأ واقع اللون فى الحياة الذى يلهمنى للوصول إلى الشكل المناسب. قبل اكتشاف النظام الرقمى، الديجيتال، كانت هناك مدارس تصوير تتطور مع تطور الفيلم الخام وعلاقة مدير التصوير معه، فكانت هناك مدرسة تصوير سينما أوروبا الشرقية ومدرسة سينما أوروبا الغربية، مدرستان أصبح لهما تأثير مباشر على الصورة فى السينما الأمريكية، بدءا بالسينما المستقلة لتطول الهوليوودية بعد ذلك، أما السينما المصرية الحديثة بالذات فاكتفت بالتقليد على حساب واقعنا ومناخنا، وإذا استثنيا البعض فى محاولاتهم إيجاد الشكل واللون المعبر عن رؤيتهم إلا أن معظمهم نَفسُه قصير فيستسلم سريعا لما هو معتاد فى الخارج ليطبقه فى الداخل، فيصبح شكل الفيلم إلى حد كبير مُزيفا.

هذا الزيف سيطر على عالم الإعلانات ثم تسلل إلى الفيلم الروائى. ربما ما أطرحه يضعنى فى خانة السينمائى «الأولد فاشن»، الرافض للتطور فى الصناعة، وهو اتهام باطل، فلا يجب أن ننسى أن السينما أولا وأخيرا هى وسيلة حَكى، والمبدع يبحث عن الشكل المناسب ليحكى قصته، وفى رأيى المتواضع أن ما دامت القصة مصرية تدور فى واقع مصرى فلا الصبغة البرتقالية أو الصورة الضبابية مناسبة فى حكى القصة المصرية.

كل هذا ليس معناه الدعوة إلى تحجيب حرية التعبير سواء بالصورة أو المضمون، ولا تحجيب طموح التجريب أو حتى التغريب، لكن يُعيب الاستناد إلى مجرد التقليد.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى