مقالات القراء | دكتور احمد عوض بيصار يكتب : فلتخرج الثورة أحمالها وهمومها
يساورنى ذلك الشعور المختلط والذى يساور معظم المصريين من أن الثورة تكاد تكون أخفقت … لقد رأينا جميعا أنه لم يتغير شىء !!! لقد ذهب مجلس الشعب بكل أعضائه وذهب الدستور إلى غير رجعة … وبقى كل شىء كما هو !!!
كنا نختلف قبل الثورة وكانت المعارضة أشد اختلافا وانقساما ولم تتوحد إلا يوم جمعة الغضب ثم انقسمت مرة أخرى بعد أيام عند الحوار مع عمر سليمان ثم توحدت ليومين أو ثلاثة بعد موقعة الجمل ليذهب مبارك وتذهب معه وحدة الصف عند الاستفتاء غير المبرر !!!
لقد رأينا جميعا أن الحماسة قد انهارت … ظننا أن الحقوق ستعود لكل الفئات المهمشة فإذا المطالب الفئوية تتصاعد ليقل العمل والانتاج وليحظى العامل او الموظف بخمسين أو مئة جنيه أكثر على مرتبه لا أزيد من ذلك فى حين أنه لو عمل باجتهاد لكان الناتج أفضل وأفضل … ولكنه ميراث مبارك من سوء العدالة فى التوزيع بين العاملين بنفس المؤسسة على امتداد المؤسسات بمصر
لقد رأينا جميعا كيف استبدلنا سفاحا كان على رأس جهاز الشرطة بوزير أقرب إلى الرومانسية منه إلى الحزم !!! وكيف بقى التعليم على حاله من سىء إلى أسوأ … ويكاد الاقتصاد أن ينهار ….
كان من الأجدى أن نعرف الأسباب الحقيقية وراء خوف رجال الشرطة من النزول للشارع أو امتناعهم … هل حقا لأن بعضا منهم كانوا يقتاتون على الرشاوى والاتاوات والتى انتهت مع الثورة فأصبح الدخل أقل عشر مرات !!! والباقى … !!! هل تكرار ظاهرة الهروب الجماعى للسجناء من أقسام الشرطة سببها خوف الضباط من إطلاق النار والمقاومة خوفا من غضب الناس فى الشارع أو ثورة يقودها اهالى البلطجية ضد أقسام الشرطة تلك !!! لماذا لانبحث وراء تلك الأسباب لنقضى على مشكلة الأمن !!!
ما الذى حدث بعد ذلك هل حقا استطاع نظام مبارك الاستبدادى أن (يكفر) الشعب كله فأصبحنا على ملة واحدة لا فرق بين مسلم ومسيحى حتى نسينا ميراثا من التطرف على الجانبين كان يدفع فى قلوب وعقول البسطاء من الجانبين حتى انقشعت الغمة وذهب مبارك وظهرت فتنة لا نعلم مداها حتى الآن !!! وقتل من قتل وحرقت كنائس وبيع !!!
هل نبدأ فى الانسحاب ونستمع إلى أقوال بعض من تحدثوا أثناء الثورة إلينا طالبين عدم النزول لأنها فتنة … أم ننزل إلى الشوارع من أجل المحافظة على الثورة !!!
دعونا نفكر سويا …. من يحكم مصر الآن !!! المجلس العسكرى … الحكومة …. الشعب …. شباب الثورة … الأحزاب الوليدة …. رجال الدين
هؤلاء من يتحكمون فى كل الأمور …. كل له دوره ولن تعود مصر إلا إذا اكتملت أركان الإصلاح غير منقوصة …
على المجلس العسكرى أن يكون أكثر وضوحا …. فى كل الأمور وأكثر سرعة
على الحكومة أن تتعامل كحومة دولة وليست كحكومة موظفين … على وزير الداخلية أن يكون أكثر حزما مع المحافظة على حقوق الانسان … على وزير الصناعة أن يدعو إلى العمل مع وعود زمنية للعمال بزيادة مرتباتهم … على وزير الزراعة أن يكون أكثر وضوحا بشان القمح !!! على وزير التعليم العالى أن يعلم أن التعليم هو الأساس فليسرع بقانون جديد مؤقت لتنظيم الجامعات وليسرع بوضع جدول زمنى محدد لزيادة راتب أعضاء هيئة التدريس … على وزير اصحة أن يعلم أن الأطباء كانو هم الفئة الوحيدة التى عملت أثناء الثورة وبعدها!!! على وزير الأوقاف أن يعلم أن مساجد الله امانة فى يده فلايتركها لمن يزكون نار الفتنة وليدفع الأئمة إلى أن يدعوا الناس إلى العمل واحترام الآخر وإلى الأمل …
أما الشعب فعليه أن يعمل ويعمل ويعمل … لا يطلب الموظف رشوة ولا يظلم المدير من يرأس … وليعلم الطبيب أن المريض قد يكون أحد اهله فليتعامل معه بإنسانية … وليعلم المهندس بأن طريقا يشرف على تجهيزه هو أمانة فى عنقه فلا يتسلمه إلا خاليا من تلك الحفر والمطبات والتى تتسبب فى حوادث كثيرة ناتجة عن الغش فى رصف الطرق وتجهيزها واخراجها بصورة غير حضارية
على شباب الثورة أن يعلموا أنهم يتحدثون باسم الشعب … لا يلتفتوا إلى التخوين وإلى الاتهامات المرسلة … على تلك الاحزاب الوليدة أن تعلم أن تكتلاتها ضد بعضها قد يفسد الحياة السياسية والديموقراطية الوليدة بمصر …. وأن حروب الفضائيات قد تضر أكثر من أن تفيد …. كيلا يعود الشعب مرة أخرى إلى السلبية وترك الأمور تسير كما يريد الآخرون … كما كنا منذ شهور قليلة مضت
على الثورة أن تعلم أنها لن تنتهى … وأنها فقط تظهر ماكان مخبأ فى العهود السابقة من أحقاد طغت ومشاكل كان الفقر والجهل والمرض أعظم ممثل لها …
قد تسوء الأمور أكثر وقد تتحسن الظروف …قد نصبح فى أشد احتياجنا إلى الدعم والقروض وقد نعيد عجلة الانتاج إلى الدوران … قد نصبح مثل العراق وقد نصبح مثل تركيا … ولكن تفاءلوا بالخير تجدوه …. ستخرج الثورة أثقالها من الحقد الدفين فى قلوب البعض تجاه البعض … من مشاعر الكراهية وقيم التخوين والحروب الإعلامية المرسلة غير ذات الهدف …
ولكن انتظروا سيتشكل وعى المجتمع المصرى من جديد … ستمر تلك الأزمة بسلام وسنعاود النهضة إن شاء الله
سنكون من أعظم خمسة أو عشرة اقتصاديات على مستوى العالم … سنكون دولة مانحة مصدرة للعلم والتكنولوجيا … سنعود شعبا مثقفا وواعيا كما كنا أيام الثورة أو سنؤكد على ذلك الأمر … ستعود وحدة الصف وسننسى الفتنة الحمقاء … سيعود الجيش إلى ثكناته وسننام فى بيوتنا آمنين مطمنين …
ولكن انتظروا لتخرج الثورة أثقالها وأحمالها وهمومها …
دكتور احمد عوض بيصار