مقالات | عبد الله اسماعيل يكتب |”الشرقية عمار , واخضرار”
آثرت هذه المرة أن أنظر تحت أقدامي بعد أن حجبت أوراق الأشجار وأغصانها الكثيفة المتشابكة الرؤية أمامي , فإذا بي في أرض طينية يكاد ماؤها يجف وتوشك نباتاتها أن تذبل . هذه الحقيقة التي أصبحت عليها الأرض التي ننتمي إليها ؛ (الشرقية) .
بداية ؛ هذه دعوة لإلقاء نظرة شاملة على أرض الشرقية ومعرفة سماتها ومميزاتها وتوطيد ثقافة الإنتماء إليها , وعدم الإكتفاء بالمدينة الحديثة التي يستر العمران فيها ما ورائها من أراضٍ خضراء وأناس بسطاء , وآثار ومزارات سياحية لو تم الترويج لها جيداً لكانت أشهر من أن أذكرها .
منذ 500 عام وتسمى هذه الأرض بولاية الشرقية , وسبب التسمية هو وقوعها في الناحية الشرقية من الوجه البحري . وأول ما تم تقسيم هذه الأرض تقسمت إلى أطيان وكان المسؤول عنها يسمى كاشف , ثم استبدل بحاكم الخط الذي بدوره يكون لديه في كل ناحية شيخ بلد أو عمدة هم بمثابة العين البصيرة والذراع الطويلة للسُّلطة .
وأُطلق على حاكم الخط فيما بعد الناظر ثم تغيّر إلى المأمور ثم إلى المدير وأخيراً إلى المحافظ . رغم تغيير اسم المنطقة عبر السنين وتغيير لقب المسؤول عنها إلا أن فيها سمة غالبة تبقى هي الأعم والأغلب وهي اتساع الرقعة الزراعية بها . وفي احصائية جغرافية نجد أن الحضر في الشرقية نسبته أقل من 40% مقابل أكثر من 60% من الريف , لذلك لا بأس أبداً أن تشتهر الشرقية بالفلاحة والنشاط الزراعي , ولا بأس كذلك أن يصفنا أبناء المحافظات الأخرى بالفلاحين رغم ثقتي التامة أن أغلب قرّاء هذا المقال لم يحملوا فأساً ولم يبذروا بذراً ! وجدير بالإشادة أن مهنة الفلاح مهنة شريفة جداً لأنها تحتاج إلى معرفة وفيها صبر وتوكل على الله سبحانه وفيها استعراض مباشر لآيات الله المرئية التي يخاطب بها خلقه في القرآن الكريم يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزمر (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) فليس كل من هب ودب أصبح فلاحاً .
الفكرة الرئيسية التي من أجلها قدمت ملخصاً تاريخياً وجغرافيا لأرض الشرقية هي :
في ظل الحضارة السائدة والتطور التكنلوجي وثورة المعلومات وتيسير الخدمات ورغم وصول تعداد الشرقية السكاني لثاني أعلى معدل بعد محافظة القاهرة الكبرى على مستوى الجمهورية , إلا أن غالبية أبناء الشرقية لا يدركون قيمة الأرض الخصبة التي ورثوها عن أجدادهم وأصبح همهم الشاغل هو الحصول على الخدمات المتكاملة التي يراها ويلمسها كل من يطرق المحافظات الأخرى خصوصاً القاهرة والإسكندرية .
بالتأكيد محافظة الشرقية -خلاف العاشر من رمضان- محرومة من اجتذاب الاستثمارات وإتاحة فرص العمل , بالتأكيد محرومة من المتنزهات العامة التي تناسب تعدادها السكاني كذلك , وتعاني من سوء تخطيط وضيق مساحات شوارعها , وعدم وجود ساحات رياضية مجهزة ليمارس فيها الشباب هواياتهم …. ينقصها الكثير مما أعرف أنه بمثابة مطالب ضرورية وخدمات واجب توافرها مثل أي بلد دخلت أعتاب القرن الحادي والعشرين , ولكن أهم ما ينقص سكان الشرقية هو المعرفة بأن لديهم كنز متمثل في ثروة المساحات الزراعية التي راحوا يفرّطون فيها بالتعديّات العمرانية المخالفة للقانون , والسبب ببساطة هو البحث عن الربح السريع ومحاولة ضم الأرض الزراعية إلى الكتل العمرانية فيزيد بذلك سعرها بعد انتهاء حلم استصلاحها.
أتذكر مقولة لشيخنا الجليل محمد الشعراوي رحمه الله “من لا يملك لقمة عيشه فلا يستحق العيش” .
الثروة النباتية التي تمتلكها الشرقية ليست هينة , ولو استثمرت بشكل جيد فستقام على محصولاتها الزراعية مصانع أغذية وصناعات أولية لا حصر لها .
في ختام المقال أذكر أهم الدروس التي قدّمها لنا الآباء والأجداد وهي عدم التفريط في الأرض الزراعية ولو بأسعار مغرية إلا في حالة واحدة فقط كانوا يبيعون وقتها الأرض لينفقوا منها على تعليم الأبناء , فالعلم في هذه الحالة فقط لا يُقدر بثمن .
المصدر | الشرقيه توداي