أعمدةمقالات

بلال فضل | يكتب: موهوبون في الغباء السياسي !

بلال فضل
بماذا يفيدك جسد التنين إذا كنت تمتلك لإدارته عقل خنفسة؟، ستتصرف عندها كخنفسة بحجم التنين وستتخبط في كل إتجاه حتى تفنى، بينما الخنفسة نفسها لو حكمت عقلها ستبقى برغم ضآلتها لأن عقلها سيدعوها لأن تتصرف طبقا لإمكانيات جسدها لتنجو من الهلاك، وهي حكمة تفتقد إليها بعض الكائنات السياسية الضخمة التي يغرها عدد أعضائها وقدرتها على تنظيمهم وتحريكهم، دون أن تدرك أن الجسد الضخم والمنظم قد يصبح سلاحا ضدها إذا افتقدت الرؤية السياسية المرنة التي تجنبها مخاطر أن يتحول جسدها إلى هدف يتوحد الفرقاء على محاربته بكل ما أوتوا من قوة.

قبل المرحلة الأولى من الإنتخابات الرئاسية غضب بعض قادة الإخوان عندما قلت وكتبت أن قرارهم المفاجئ بخوض السباق الرئاسي يؤكد أنهم آية من آيات الله في الغباء السياسي، لأن الأصح والأسلم لهم كان قرارهم السابق بعدم خوض الإنتخابات الرئاسية والنزول بثقلهم الإنتخابي خلف مرشح ثوري أو مرشح مستقل، يحصلون من خلاله على حصة مناسبة من تشكيل الحكومة تساعدهم على تدريب كوادرهم السياسية في أرض الواقع بعيدا عن العمل الزيت ـ سكري، لكن غباء الإخوان السياسي جعلهم يغفلون عن حتمية فشل كل من سيتصدى لحمل مسئولية مصر منفردا بعد عقود الفساد والقمع التي انتهت بثورة فجرت سيلا منهمرا من الإحتقانات التي لن تهدأ بسهولة، ففضلوا الجري وراء أوهام سوقها لهم خيرت الشاطر بأن أي شخص يصل إلى الحكم سيقوم بضرب الجماعة، ولذلك ليس هناك بديل آخر غير الوصول إلى كرسي الرئاسة.
 نظريا حقق خيرت الشاطر هدفه وقام بتجنيب الجماعة حتى الآن ضربة التقنين، لكنه لا يدرك أن أكبر ضربة تلقتها الجماعة أنها مثلما اختارت أن تحمل شيلة الوطن منفردة، أصبحت مطالبة بان تدفع منفردة ثمن فشلها في حل تعقيدات الواقع، وأن الخسارة التي لاتقدر بثمن هي أن الجماعة باتت تتعرض مع كل يوم يمر دون تغيير في نهجها إلى المزيد من العزل الشعبي، وهو عزل أشد قوة وأبقى أثرا من القمع الأمني والحصار السياسي والتشويه الإعلامي، لأنه لن يتيح للإخوان أن يستفيدوا من دور المظلوم والمُضطهد بعد أن رآهم الناس يمارسون الظلم ويباركون القمع، وفي المستقبل القريب عندما تتفاقم تحديات الواقع ويضطر الإخوان إلى إتخاذ قرارات صعبة يجب أن يتفهمها الناس، لن يجد الإخوان من يساندهم أو يقف إلى جوارهم، لأنه لن يقبل أحد بسهولة ـ إن لم نقل أبدا ـ بوجود الإخوان كشركاء ضمن أي عمل شعبي تشترك فيه قوى سياسية مختلفة كما حدث في أيام الميدان الأولى، وتلك خسارة فادحة لا يقدر الإخوان قيمتها لأنهم موهوبون في الغباء، وإلا لأدركوا أن قدرة أي جماعة سياسية على البقاء تكمن في قدرتها على التعايش مع المختلفين عنها، وحرصها على إدارة خلافاتها بروح مرنة عاقلة لا تدفع المختلفين معها إلى أن يتحولوا من خصوم إلى أعداء.
لكن الإخوان أيضا للأمانة يستفيدون من غباء خطاب «الأفورة» الذي يرفعه البعض في مواجهة الإخوان والذي يتبنى شعارات حمقاء من نوعية «هنرجعكو السجون ـ هنلبسكو طرح وغوايش ـ الجيش هينزل ويدكو بالجزمة»، لأن هذا الخطاب يساعد الجماعة على ترميم بنيانها بإنتظام، ويجعل مسألة التكتل خلف قيادة الجماعة مهما «لبّخت» مسألة حياة أو موت، ورغم أن قادة الجماعة يدركون جيدا قلة عدد من يتبنى هذا الخطاب، لكنهم يصرون على تعميمه وتضخيمه للإستفادة منه في السيطرة على القواعد والأنصار، ظنا منهم أنهم لو حققوا إنجازات إقتصادية سريعة سيقومون بعزل المعارضة شعبيا، ويعيدونها ثانية إلى حالة المولوتوف التي يفرح بها الإخوان أيما فرح لأنها تساعدهم على لعب دورهم المفضل: دور المظلوم المضطهد الذي يحمل الخير لمصر لكن إخوته يصرون على رميه في غيابة الجب.
قادة الإخوان لديهم تصور «شاطري» يعتقد أن الجماعة تستطيع تكرار تجربة مهاتير محمد في تحقيق نجاحات إقتصادية يصل خيرها إلى الطبقات الشعبية التي يراهنون عليها في أي إنتخابات قادمة، مع تبني نموذج مهاتير السياسي الذي يقوم على حزب حاكم مسيطر وأحزاب معارضة هامشية يتم رسم إطار قانوني لها تتحرك فيه وتتعرض للقمع إذا تجاوزته بمباركة من الدول الكبرى التي تنتمي إليها شركات الإستثمار الأجنبي التي ستصبح مصر سوقهم المفضل، لكن الإخوان وبفضل الغباء السياسي الذي أنساهم أن يجمعوا معلومات عن موقف مهاتير من صندوق النقد الدولي لكي يختاروا توقيتا أنسب لزيارتهم، نسوا أيضا أن ما سيفشل هذه الخطة التي تبدو على الورق ذكية جدا، أن مهاتير عندما بدأ في تنفيذ مشروعه طرح نفسه كبديل وطني يجمع أهل بلاده لتخطي مرارات الإحتلال والإنفصال والصراع العرقي المرير، أما الإخوان فبرغم أنهم وصلوا إلى الحكم عقب ثورة تتطلب أن يطرحوا نفسهم كبديل عن نظام مبارك يجمع المصريين ولا يفرقهم، إلا أنهم فعلوا العكس تماما، وظنوا أن رفع خطاب الأسلمة والمشروع الإسلامي سينجيهم من عواقب قيامهم بشق صفوف المصريين، ولو سألوا مهاتير نفسه لقال لهم أن مفهومهم الخاطئ للأسلمة لن يؤدي بهم إلا إلى مزيد من الفشل وهو ما سبق أن قاله في خطاب شهير ألقاه في أغسطس 2004 «هناك جماعة كبيرة تميل إلى ما يدعون أنه أسلمة الدولة، إنهم يتمنون إستحداث ما يرونه قوانين إسلامية وهي في الحقيقة ليست إسلامية ويمكن لها أن تؤدي إلى ظلم عظيم، إنهم يتجاهلون النقطة الجوهرية في القوانين الإسلامية وهي أنه يجب أن يكون العدل هو المحصلة النهائية، إنهم لا يهتمون إذا ما كان هناك عدل أم لا طالما أن الإجراءات تُتّبع، وأن الجُمَل المقترحة تمر. إنهم أيضا لا يهتمون بأن الله لا يحب صانعي المشاكل ولا المشاكل التي يسببونها للمجتمع».
طيب بذمتك عندما وصفتهم بالغباء السياسي، جبت حاجة من عندي؟.

 

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى