أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : العرب يفتقدون «الكبير».. وعادوا لمرحلة تشبه جاهلية ما قبل الإسلام

عماد حسين

فى الأيام الماضية توافد على القاهرة العديد من وزراء الخارجية العرب ومعهم فريق كامل من الدبلوماسيين استعدادا للجلسة المهمة للجامعة العربية التى انعقدت أمس الخميس لحسم ترشيح السفير أحمد أبوالغيط وزير الخارجية المصرى الأسبق أمينا عاما جديدا للجامعة العربية بعد إصرار الدكتور نبيل العربى على عدم الاستمرار فى المنصب.

غالبية وزراء الخارجية الخليجيين جاءوا من الرياض، حيث عقدوا اجتماعا مهما لمجلس التعاون الخليجى، لمناقشة جميع المستجدات سواء فيما يتعلق بملف ترشيح أبوالغيط أو الأزمتين السورية واليمنية وبقية الازمات العربية التقليدية.
قابلت العديد من الدبلوماسيين والسفراء العرب على هامش زيارتهم، سألتهم فى كل الملفات الرئيسية، لقاءات كان بعضها خاصا وفرديا ولقاءات أخرى تمت بحضور بعض الزملاء الصحفيين، وأخرى فى حضور وزراء ومسئولين مصريين حاليين وسابقين، وبطبيعة الحال لن أشير إلى أسماء المصادر، طبقا لطلبهم.
المفاجأة الأولى قالها دبلوماسى عربى مخضرم يعرف قضايا المنطقة بالتفاصيل منذ بداية السبعينيات تقريبا. قال بوضوح: اليمن لن يعود كما كان وكذلك سوريا والعراق.
بالنسبة لليمن فهناك اقتراحات محددة مثل تقسيمها إلى ستة أقاليم، يمكن أن تقل أو تزيد. لكن اليمن الموحد بالشكل الذى كان سائدا قبل انقلاب الحوثيين لن يعود كما كان. من وجهة نظره فإن حل الأقاليم التى تتمتع بسلطات إدارية أكبر سيحل مشكلة مطالبة أبناء الجنوب بالانفصال، وسيعطى الحوثيين حرية أوسع فى صعدة وعمران.
فيما يتعلق باليمن أيضا فهناك لقاءات بين دبلوماسيين سعوديين وحوثيين تمت فى بلدان عربية متعددة منها سلطنة عمان والأردن وربما بعضها تم عبر القاهرة أيضا.
وفى تقديره فإن تصريحات وزير الخارجية السعودى عادل الجبير مساء الأربعاء الماضى والتى قال فيها إن الرياض مستعدة لفتح صفحة جديدة مع طهران إذا توقفت عن التدخل فى شئون المنطقة ــ مؤشر إيجابى، وفى تقديره أيضا فإن تبادل الأسرى بين السعودية والحوثيين قبل يومين، والهدنة الانسانية على الحدود، يمكن ان تفتح مجالا للحوار، خصوصا بعد تيقن الحوثيين من أن انقلابهم لن يكتب له النجاح، وتخوف السعودية من تزايد الضغط الدولى عليها بسبب النتائج الكارثية للحرب على السكان، وخصوصا المدنيين.
فى تقدير الدبلوماسى العربى المخضرم، فإن وقف إطلاق النار الهش فى سوريا الآن قد يؤشر إلى شكل سوريا المستقبلية، بمعنى دولة من ثلاثة أقاليم تتمتع بسلطات واسعة جدا، وتبحث عن صيغة جديدة، قد لا تكون ثلاث دول. لكن ما ألمحت إليه روسيا قبل أيام بشأن الفيدرالية حينا أو الكونفيدرالية حينا أو قد يشير إلى شكل سوريا المستقبلى، على أن يتفرغ الجميع حكومة ومعارضة لمحاربة داعش والقضاء عليها. لكن المشكلة المهمة هى فى إصرار تركيا ومعها إيران إلى حد ما لمحاربة تشكيل أى كيان كردى مستقل فى سوريا قد يتواصل جغرافيا مع أكراد العراق وتركيا.
وبشأن العراق يرى هذا الدبلوماسى انه ما لم تحدث معجزة وتكون هناك حكومة تمثل الجميع وترضيهم، فإن انفصال الأكراد بدولة فى الشمال قد يكون قريبا وهى عمليا قائمة على الارض وينقصها فقط الاعلام الرسمى، وكذلك السنة فى الغرب.
دبلوماسى آخر قال لى إن العرب متفقون على أن هناك مرضا، لكنهم مختلفون على العلاج، وفى رأى هذا الدبلوماسى فإن الإعلام العربى يلعب دورا خطيرا فى الشحن الطائفى. قلت له أنا وزملائى، لكن هذا الإعلام هو تعبير عن سياسيين يقفون خلفه، فابستم، مضيفا ان الاعلام المصرى بحكم دوره يمكن ان يلعب دورا مهما فى نشر ثقافة التسامح بدلا مما يفعله الآن من الحض على الكراهية. فى تقديره ايضا فإن العرب عادوا إلى مرحلة تشبه جاهلية ما قبل الإسلام والحل من وجهة نظره فى جيل الشباب الجديد القادر على ايجاد حلول للمشاكل، على غرار ما يفعل فى الأجهزة التكنولوجية، فى حين ان الجيل القديم منشغل فقط بتكريس العداوات. إضافة إلى أن المنطقة العربية لم يعد لها كبير يعود إليه الجميع.
سألت هذا الدبلوماسى عن مستقبل الجامعة العربية طالما أن الخريطة سوف تتغير، فهل تتغير الجامعة؟!
قال الرجل انه حان وقت تغيير اللافتة فى الجامعة العربية، وعلينا تقبل الحقائق على الأرض كما هى وتطوير العمل العربى فعلا وليس لمجرد الشعارات، وعلينا ان نراعى أيضا المصالح الدولية، وتجاهل هذه المصالح سوف يكبدنا خسائر كثيرة، لكن مفتاح الحل هو ان نتعلم التسامح مع بعضنا البعض اولا. هو يقول ان الجامعة العربية بحالتها الراهنة وطريقة إدارتها واتخاذ القرار فيها وبميزانيتها التى لا تزيد على ٦٠ مليون دولار لن تكون قادرة على حل مشاكل الامة العربية المتعددة.
من وجهة نظر هذا الوزير فإن الدخول فى صراع مفتوح مع إيران يضر بنا كعرب كما يضر بإيران، ولن يفيد إلا أعداء المنطقة. إيران كما يقول، دولة كبيرة وذات تاريخ وحضارة. والترويج بأن لدينا جيوشا وأسلحة وقادرون على محاربتها، ينبغى أن يتوقف لأننا سنخسر جميعا، كما حدث فى الحرب الإيرانية العراقية، وعلينا أن نستفيد من دروس التاريخ، وان نقنع الإيرانيين بالعيش والمصالح المشتركة، خصوصا أن الغرب ينظر إلى إيران الآن كشريك، حاربت معه ضد النازية فى الحرب العالمية الثانية، ولعبت فى عصر الشاه دورا مهما للغرب ضد الاتحاد السوفييتى.
ومن إيران إلى الخليج مرة أخرى فقد سألت دبلوماسيا خليجيا: هل هناك فعلا خلاف مصرى سعودى كما تروج بعض وسائل الإعلام؟ قال الرجل انه طبقا لمعلوماته المؤكدة فعلاقات البلدين جيدة فعلا، وبها قدر كبير جدا من التوافق وليس التطابق. من وجهة نظره انه ينبغى أن يتوقف العرب عن استخدام كلمة تطابق لأنها غير موجودة فى قاموس السياسة.
هناك اختلافات أحيانا فى وجهات النظر بشأن بعض القضايا، لكن لا توجد خلافات جوهرية بينهما.
ومن الخليج إلى ليبيا فقد قال دبلوماسى عربى كبير، ان جزء كبيرا من الحل هناك يتطلب ان تجلس مصر والجزائر وتونس ويتوصلون إلى حل وسط مشترك يكون عنوانه دحر الإرهاب، وقراءة الواقع الليبى جيدا، بالنظر إلى الفسيفساء المعقدة للقوى السياسية والجهوية والمنظمات الإرهابية، وضعف مؤسسات الدولة الليبية.
يضيف أنه ليس سرا أن هناك تباينا كبيرا بين مصر والجزائر فيما يتعلق بليبيا، لكن استمرار هذا التباين قد يكلف البلدين والمنطقة ثمنا كبيرا.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى