أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : نريد دلائل على تقشف الحكومة

%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86

من أفضل ما فعلته الحكومة فى الفترة الأخيرة هو القرار الذى اتخذته يوم الأربعاء الماضى بترشيد وضغط الإنفاق فى الوزارات والهيئات والجهاز الإدارى للدولة بنسب تتراوح بين ١٥ إلى ٢٠٪، وكذلك خفض التمثيل الخارجى فى البعثات الدبلوماسية التابعة للوزارات بنسبة ٥٠٪ على أن يتم الاعتماد على كودار وزارة الخارجية فى تنفيذ ومتابعة أعمالهم.

لو تم بالفعل تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، بصورة صحيحة وعادلة فقد يكون بداية لأنْ يصدِّق الناس أن الحكومة جادة فى التقشف، ووقتها قد يتقشفون هم أيضا.

بيان المجموعة الاقتصادية يوم الأربعاء الماضى قال إن الترشيد لن يؤثر على أجور ورواتب العاملين والموظفين ولا على الاستثمارات. لكن لم يقل لنا كيف سيتم تفعيله على أرض الواقع، خصوصا أننا نسمع مصطلح «ترشيد الإنفاق الحكومى» منذ عشرات السنين.

بسبب ثورة الاتصالات، صار المواطنون فى كل أنحاء العالم يتابعون كيف يتصرف الآخرون فى المشاكل نفسها التى تواجههم. وفى الأسابيع الأخيرة، قررت الحكومة السعودية تخفيض العديد من الامتيازات والتسهيلات والحوافز التى كانت تقدمها لبعض كبار الموظفين والمسئوليين، من أول البدلات إلى تسديد فواتير الهواتف. والسبب ان الحكومة السعودية تواجه أزمة مالية ربما غير مسبوقة بسبب انخفاض أسعار البترول من جهة والإنفاق على المجهود الحربى فى اليمن من جهة أخرى، بل واضطرت إلى الحصول على ١٥ مليار دولار من الأسواق الخارجية عبر طرح سندات دولارية دولية.

فى التوقيت نفسه كان البرلمان التونسى يقرر تخفيض مكافآت ورواتب النواب والمسئوليين بسبب الأزمة الاقتصادية التى تضرب البلاد.

إذا الأزمة شاملة فى غالبية بلدان المنطقة، لا فرق بين السعودية الغنية أو مصر التى تعانى من مشاكل كبيرة أو تونس وحالتها «بين بين».. ربما الفارق فقط فى الدرجة، وبالتالى فإنه لا يمكن لحكومة أن تقنع شعبها بالتقشف ما لم تكن هى متقشفة فعليا.

حتى هذه اللحظة لا يوجد سلوك حكومى جاد يوحى بأن هناك أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

وأسوأ خبر هو أن يكون المقصود بالتقشف هو وقف الأبحاث والاستثمارات، بحيث يستمر السفه كما هو.

لو أن الحكومة استغنت فعلا عن المستشارين غير الضروريين، فسوف تبعث رسالة غاية فى الأهمية للشعب، خصوصا المستشارين الذين يتقاضون رواتب كبيرة.

ولو أن الحكومة ضمت فعلا الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة للدولة، فسوف تقضى على كل الشائعات والحقائق وإنصاف الحقائق التى تتردد منذ سنوات عن هذا الموضوع.

من التطورات الجيدة أن مجلس النواب بدأ فعلا دراسة الموضوع، ولو أنه أنجز هذا الأمر، وكشف عن حقيقة الصناديق الخاصة، فسوف يكون ذلك خبرا يسعد الملايين، لكن شرط أن تكون كل الصناديق فى كل الهيئات والوزارات والجامعات، وأن يتم الكشف بالفعل عن حجم هذه الصناديق.. وكيف كان يتم إنفاقها، ومن الذى استفاد منها، وهل ذهبت فعلا إلى رواتب عمال وموظفين أم إلى حفنة من بعض ذوى الحظوة طوال السنوات الماضية.

بالنسبة للدبلوماسيين، فهناك قصص كثيرة عن ممثلين لوزارات كانوا يرسلون ممثلين لهم فى السفارات، ليسوا مؤهلين وليسوا مفيدين، وكانوا يكلفون موازنة الدولة ملايين الدولارات، وبعضهم كان يتم إيفاده بحكم الواسطة.

لكن فى المقابل قال لى أحد مبعوثى هذه الوزارات إنهم مظلومون وهناك تفرقة كبيرة بينهم وبين دبلوماسيى وزارة الخارجية، ويرجون وجود عدالة بين الجميع لمصلحة مصر أولا.

يمكن للحكومة أن تتخذ العديد من قرارات التقشف، وحتى لو كانت هذه الإجراءات لن توفر الكثير من الأموال، فإنها سوف تبعث برسالة إلى الناس بأن الحكومة جادة فعلا فى مسألة التقشف.

الفيصل فى الأمر هو ما سيتم تطبيقه على الأرض خلال الأيام المقبلة من أول القضاء على ظاهرة رشوة العشرين جنيها، مرورا بإهدار المياه والكهرباء فى المؤسسات الحكومية، ونهاية بالاختلاسات وإهدار المال العام والملايين التى تدخل جيوب وحسابات الحيتان الكبيرة.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى