أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب:السكة شمال!

عمرو-حمزاوى

ثم ماذا بعد الاستمرار المتوقع لعزوف قطاعات واسعة بين الشباب والطلاب والعمال فى مصر عن الاقتراب من أطر مشاركة المواطن فى إدارة الشأن العام.

التى يصر الحكم والنخب المتحالفة معه إما على تجريدها من المحتوى الديمقراطى كما يفعلون اليوم بشأن الانتخابات البرلمانية وتكوين السلطة التشريعية، أو على استتباعها بمزيج من الترغيب (شىء من الحماية وشىء من العوائد) والترهيب (التهديد بالتعقب والقمع) كما يديرون ملفات الأحزاب والتيارات السياسية، أو على حصارها ونزع الكثير من قدراتها على التواصل مع الناس والتعبير عن حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم ومطالبهم والمزج بينها وبين الصالح العام للمجتمع وللدولة كما يفرضون القيود ويضعون العقبات باتجاه الجمعيات الأهلية والتنظيمات الوسيطة؟ بعبارة أخرى، ما هى النتائج المحتملة لاستمرار عزوف الكثير من الشباب والطلاب والعمال، ولتواصل انسحابهم بعيدا عن الأطر الرسمية للمشاركة؟

أولا؛ المزيد من انتشار أزمات الاغتراب النفسى والعقلى وانسداد الأفق بين صفوف الشباب والطلاب والعمال، وهم قطاعات السكان المتسمة تقليديا بالحيوية والفاعلية والطاقات الخلاقة وبالرغبة فى تحسين أوضاع المواطن والمجتمع والدولة والتى تحتاجها مصر اليوم للخروج من وضعية الوطن المأزوم ـ ملاحظة: لمن يشكك فى اغتراب الشباب والطلاب والعمال، أرجو إما مراجعة البيانات المتوفرة (الحكومية وغير الحكومية) عن ازدياد معدلات الهجرة غير الشرعية وحالات الانتحار وغير

ذلك من المظاهر المؤلمة للاغتراب وانسداد الأفق أو التفكير فى كلمات أغانى الألبوم الأخير البديع لفريق كايروكى «السكة شمال»!
ثانيا؛ تنامى الانفصال المجتمعى بين عالم القلة التى تحكم وتملك وبين عوالم الكثرة العددية غير المتداخلة فى الحكم / السلطة والمهمشة فيما خص الثروة والملكية والريع والامتيازات والعوائد، بين عالم من يحكمون ويملكون وعوالم من لا يحكمون ولا يملكون.

ثالثا؛ تصاعد تشوهات الأطر الرسمية للمشاركة بعودة اقتصار السلطتين التنفيذية والتشريعية والمجال العام بنخبه وأحزابه المنضوية تحت عباءة «تأييد ودعم» منظومة الحكم / السلطة ووسائل إعلامه على من أداروا دوما الشأن العام دون نجاحات حقيقية، وبانغلاق هذه الأطر الرسمية دون تمكين الكثير من الشباب والطلاب والعمال من التعبير الحر عن مصالحهم ومطالبهم ومن إيقاف المظالم والانتهاكات التى يتعرضون لها هم وغيرهم، ومن الاختيار الحر لمن يمثلونهم ومن يتحدثون باسمهم (تأسيسا على الشرعية الديمقراطية للانتخابات التنافسية والنزيهة)، ومن ثم تمكينهم من التفنيد الديمقراطى لادعاء الحكم الاحتكار الدائم «لحق» الحديث ليس فقط نيابة عنهم، بل نيابة عن الوطن ككل.

رابعا؛ بسبب انغلاق الأطر الرسمية للمشاركة وتهميشها للكثير من الشباب والطلاب والعمال وانهيار شرعيتها المجتمعية، تتردى قدرة مؤسسات وأجهزة الدولة وهيئات القطاع العام وكذلك قدرة القطاع الخاص الربحى، بل وقدرة الجمعيات الأهلية والتنظيمات الوسيطة على صناعة التنمية والتقدم، وعلى مواجهة الفساد وشبكاته، وعلى تنفيذ خطط طموحة للعدالة الاجتماعية، وعلى استعادة السلم الأهلى عبر إيقاف المظالم والانتهاكات وإنهاء قابلية بعض البيئات المحلية للعنف وللتطرف ومن ثم نبذهما والتخلص من شرور الإرهاب، وعلى بناء التوافق الوطنى الطوعى (أى غير المفروض إخضاعيا من قبل الحكم) بشأن جوهر الصالح العام ومرتكزات إدارة الشأن العام ـ فلا مؤسسات وأجهزة الدولة ولا فعاليات القطاعين العام والخاص والمجتمع المدنى تستطيع العمل بكفاءة فى ظل انغلاق الأطر الرسمية للمشاركة وانهيار شرعيتها.

خامسا؛ بسبب انغلاق الأطر الرسمية للمشاركة، تتسع ساحات النشاط الاحتجاجى السلمى للشباب وللطلاب وللعمال سعيا للتعبير الحر عن حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم ومطالبهم العادلة، ولأن من يحكمون ويملكون يتخوفون دوما من النشاط الاحتجاجى ويعجزون عن دمجه فى سياق عمليات تحول ديمقراطى ومجال عام تعددى وعقلانى فإنهم ينزعون إلى توظيف الأدوات القمعية فى مواجهته ويدخلون المواطن والمجتمع والدولة بذلك فى موجات مخيفة وعالية الكلفة من الصراعات المتلاحقة.
أهذا هو ما تريدون؟

 المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى