أعمدة

عمرو حمزاوي | يكتب : لماذا لا يريد الإخوان انتخابات الآن؟

حمزاوي

لننحِّ جانباً موقف بعض فصائل المعارضة (جبهة الإنقاذ) من الانتخابات البرلمانية وربطها بين المشاركة وضرورة تغيير قواعد العملية السياسية غير العادلة. لننحِّ جانباً أيضاً موقف اليمين الدينى بمختلف أطيافه من الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة التى ترفض إما بكيل الاتهامات الزائفة إلى مؤيديها (الانقلاب على الديمقراطية) أو بالتسفيه (مصير استمارات «تمرد» هو صناديق القمامة). ولننظر، بمعزل عن موقف «الإنقاذ» من الانتخابات البرلمانية وموقف اليمين الدينى من الانتخابات الرئاسية المبكرة وهما يتصدران واجهة النقاش العام الراهن، إلى موقف جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة من الانتخابات البرلمانية.

الخطاب السياسى المعلن للجماعة وللحزب (ومجدداً أسجل أن تدخل الجماعة فى العمل السياسى لا سند دستورى أو قانونى له) هو تفضيل إجراء الانتخابات البرلمانية بأسرع وقت ممكن كى يكتمل بناء المؤسسة التشريعية وتنتقل السياسة فى مصر إلى مرحلة الاستقرار الديمقراطى. وبالفعل أعلن رئيس الجمهورية منذ بضعة أسابيع الجدول الزمنى لانتخابات مجلس النواب بعد أن أصدر قانون الانتخابات (تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب)، إلا أن القضاء الإدارى فى حكم شهير أوقف إجراءات الانتخابات بسبب تجاهل المشرِّع فى مجلس الشورى لرأى المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية بعض مواد القانون. ومنذ حكم القضاء الإدارى وأمر الانتخابات البرلمانية معلق بين مجلس الشورى والمحكمة الدستورية العليا، وعادت «الدستورية» واعترضت على عدم دستورية مواد أخرى فى مقترح قانون الانتخابات الجديد الذى أرسله إليها «الشورى»، وفتح من ثم مجدداً باب تأجيل الانتخابات إلى العام المقبل 2014.

وبالقطع يمكن تفسير استمرار الوضعية المعلقة لقانون الانتخابات بالإشارة إلى محدودية قدرة حزب الحرية والعدالة، صاحب الأكثرية المتحولة أوتوماتيكياً بالمتحالفين معه إلى أغلبية داخل مجلس الشورى، على إدارة العملية التشريعية باتساق مع الإطار الدستورى الراهن. إلا أن اللافت للنظر هنا هو كون حزب الحرية والعدالة ومن ورائه جماعة الإخوان قد سيطرا إلى حد بعيد على عملية وضع دستور 2012 ويصعب للغاية تصور محدودية قدرة نواب الحزب على تمرير مقترح لقانون الانتخابات لا تعترض عليه المحكمة الدستورية. يدعو هذا الأمر، إذن، إلى البحث عن تفسير بديل لاستمرار الوضعية المعلقة لقانون الانتخابات وتأخر موعد الانتخابات البرلمانية إلى 2014 على الأرجح.

والتفسير البديل الذى أراه هنا، وبدون ميكافيلية أو نوازع تآمرية، يتمثل فى رغبة جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة فى تأجيل الانتخابات لفترة ليست بالقصيرة. فمن جهة أولى، للحزب أكثرية تتحول إلى أغلبية بمجلس الشورى على نحو يمكنه من تمرير كافة مقترحات القوانين التى يريد إن فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية أو قانون السلطة القضائية أو القوانين الخاصة كقانون إقليم قناة السويس (حين يعرض على المجلس). مثل هذا الوضع المريح، وبغض النظر عن مشاركة جبهة الإنقاذ فى الانتخابات البرلمانية من عدمها، لن يستمر فى مجلس النواب على الأرجح.

من جهة ثانية، ليس لمجلس الشورى اختصاصات رقابية ومحاسبية إزاء السلطة التنفيذية المتمثلة فى رئيس الجمهورية وحكومته والأجهزة الإدارية والبيروقراطية التى تتبعهما. ومغزى هذا هو مستوى إضافى «للوضع المريح» لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة. فرئيسهما هو الذى يحكم اليوم، والحكومة حكومته، والرجل قد يجد فى القدرة على اتخاذ قرارات وتنفيذها دون رقابة أو محاسبة أو التزام بالشفافية مسألة شديدة الجاذبية وهو فى مستهل فترته الرئاسية ويرغب بالتأكيد فى الضغط على كل زر مركزى فى الدولة المصرية (هل طرحت فى مجلس الشورى ولو لمرة واحدة قضية ميزانية الرئاسة؟).

من جهة ثالثة، يدرك الإخوان تراجع شعبيتهم خلال الآونة الأخيرة بسبب سياسات وممارسات الرئيس وضعف الحكومة ويسعون عبر تحسين الأداء الخدمى المرتبط باحتياجات المواطن الأساسية (والتموين خير دليل على هذا، وجهد الوزارة والوزير فى مجالى رغيف الخبر وأنابيب البوتاجاز حقق تقدماً ملموساً) إلى اكتساب القدرة على استمالة الكثير من القطاعات الشعبية محدودة الدخل والحصول على تأييدها قبل الانتخابات القادمة. هنا أيضاً، لا مصلحة مباشرة للإخوان ولحزب الحرية والعدالة فى الإسراع إلى صندوق انتخابات يبدو فى اللحظة الراهنة غير مضمون العواقب.

لهذه الأسباب لا يريد الإخوان الانتخابات البرلمانية قبل عام 2014. ولهذه الأسباب يمرر ممثلو الجماعة والحزب هذه الرسالة إلى الدوائر الخارجية المؤثرة فى الغرب ويغلفونها بمقولات تبريرية كثيرة (بعضها مضحك كأن يقال للأمريكيين وللأوروبيين إن موسم الحصاد وجنى القطن فى الخريف يفرضان تأجيل الانتخابات إلى نهاية العام الحالى وبداية العام القادم). ولهذه الأسباب لن نخرج عن السيناريو المحكم هذا إلا بضغط شعبى سلمى يدفع باتجاه انتخابات رئاسية مبكرة، أو بقرار من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى لذات النواقص التى دفعت لحل مجلس الشعب 2012 ومن ثم إجبار الإخوان على التفكير فى إجراء بديل لإيجاد مؤسسة تشريعية.

بقلم | عمرو حمزاوي

 

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى