مقالات

هدير هشام| تكتب: شبح العنوسة

هشام

نحن نعيش فى زمن نحاول أن نقطع فيه مسافات نحو معاني قبول الآخر والمحاولة لتفهم العلاقات وتقبل الأسلوب الحياتي مع الأخرين ولكن عندما يتعلق الأمر بالمرأة وما كان يذكر سابقاً عن بعض المجتمعات من عادات سلبية ،كانت الفتاة تتزوج في سن صغير مما عرفت بظاهرة «الزواج المبكر» وكانت تعد تلك الظاهرة كارثة كبرى تواجه المجتمع بسبب ماينتج عن تلك الظاهرة ولكن الآن اختلف الوضع مع التقدم والتحضر والرقي بالفكر والالتزام أيضاً ببعض العادات والتقاليد وأصبح هناك وعي مجتمعي.

حيث أصبحت للفتاة فرصة للنضج وإكمال تعليمها ودراستها الجامعية فبعضهم يطمح للدراسات العليا وتأمين المستقبل،مما جعل الدراسة سلاحاً ذا حدين فيزيد من فرص الزواج أحياناً ويقلله أيضاً.

فنجد أن التعليم يوسع من تطلعات الفتاة ويغير نظرتها ورؤيتها للزواج حتى تكن لديها القدرة على بناء أسرة متماسكة فيلجأن إلى الارتباط متأخراً.

ومن الشائع تلك الأيام هو رفض البنت لزواج أو الخوف منه، مما أدى إلى ظهور مايسمى ب«ظاهرة العنوسة» ونظرة المجتمع إلي المرأة على أنها «عانس» بعدما كانت الظاهرة صفراً لا وجود لها ولكنها صارت مرضاً مستوطنًا مستعصياً، فجعلها تستقر فى الأذهان بهذا المعنى والشكل القبيح حتى أجبر العقل على لفظها ورفضها مقاوماً لوجودها وكيانها وليقتلها فى النهاية ويحكم عليها بالإعدام حية.

ونجد أن الإحصائيات في مصر وعدد المصريين الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا بعد قد بلغ 8 ملايين و962 ألف، منهم نحو 4 ملايين امرأة، وأما عدد الذين بلغوا سن الزواج ولم يتزوجوا فقد تخطى الـ13 مليونًا.

واسأل نفسي دائماً لماذا تقع معظم فتياتنا فريسة للعنوسة علي الرغم من أنهن يعشن في مجتمع أكثرتفاهماً وهى أبرز سماته!! فهل هى أسباب تتعلق بأولياء الأمور من الأباء والأمهات؟ أم من الأبناء أنفسهم ،أم بعضها خارج عن الأثنين ؟؟

فتتعدد الأسباب فأجد أن هناك أسباب تتعلق بالأسرة نفسها وهي عدم قدرتها على تحمل أعباء وإمكانية تجهيز ابنتهم بسبب الارتفاع الشديد في أسعار الأجهزة ومستلزمات الزواج مما سبب للأسرة التفكير الشديد ليلاً ونهاراً في إمكانية تجهيز ابنتهم وتوفير كل متطلبات زواجها حيث يطبق عليهم ذالك المثل الشعبي «يامخلفة البنات ياشيلة الهم للمات» ،وأصبحت واحدة من ضمن مشكلات كثيرة تقاسيها الأمهات والأباء على أنفسهم من أجل إرضاء بناتهن ومساواتهن بغيرهن من بنات الأقارب والمعارف مما جعل الأسرة تعيش في ظروف صعبة وهي عدم قدرتها على تجهيز بناتهن حتى يفوت الأوان ويزداد سن البنت وتقل فرص زواجها وينتهي بها االمطاف وتصبح البنت عانساً.

ومن ناحية أخرى أجد أن بعض الأباء يماطل في تزويج ابنته من أجل خدمة الأسرة، وربما أحياناً يكون ذلك بإيعاز من زوجة الأب ، فلم يتم الاتفاق على الخطاب للأتفه الأسباب وتوضع العراقيل لتبقى البنت في البيت حتى لا يفتقدون « الخادمة» ،وعندما تسمع البنت من أحد الأقارب «هتتجوزي أمتى عايزين نفرح بيكي »ينتاب إليها شعور وكأنه يقتلها ويحكم عليها بالإعدام حية.

فيا أيها الأب …. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان!؟  هل عنايتها بك وبالأسرة ورعايتها لكم وقيامها بخدمتكم أن تمنعها أعظم حقوقها ولذات وجدانها بزوج صالح ؟فاتق الله في نفسك وارضي لابنتك الآن ما كنت قديماً تطلبه لنفسك .

وأجد أيضاً بعض الأسر تهتم برفع المهور والمبالغة فيه ،مما عجز الكثير من الشباب عن تلبية لمطالب الأباء وكان سبباً في تنامي هذه الظاهرة حتى غدت الكثيرات مخدرات في البيوت حبيسات في المنازل بسبب هذا التعنت.

وانتقدت بشدة ذالك السبب لأن المرأة ليست سلعة تشترى وبضاعة للمزايد والمكاثرة ومن دفع أكثر فيفوز.

واستكمالاً لتلك الظاهرة أجد أن التقاليد تعد سبباً في أن تصبح البنت عانساً عندما تعتمد العادات في الأسرة على تزويج البنت الكبرى قبل الصغرى، حفاظًاً على شعور الكبرى، ومنعًا لألسنة الناس عنها أحيانًا، وهذا في حد ذاته شعور طيب، لكن ما هو ذنب الصغيرات وماذا لو كانت الكبرى لا تريد الزواج الآن أو أبدًا ؟ ستستمر الأيام وبدلاً من أن يكون في بيتك عانس واحدة سيكون هناك أثنين أو ثلاث .

وأنا شخصياً أعتبر الكثيرات من العوانس ضحايا لحظة صدق مع النفس خيرت فيها بين احترام كرامتها أو الإذعان لرغبات الزبون المسمى عريساً ومتطلبات الأهالي فاختارت الكرامة أو العنوسة.

والعنوسة فى مصر للأسف ليست سناً بل هى فى المقام الأول إحساس، فنحن نرسم استراتيجية القضاء على لفظ آنسة والبنت لاتزال على أعتاب العشرين،فالمسكينة ذات تاريخ الصلاحية المحدد والمختوم بختم المجتمع والعرف والتقاليد فليس لها حق وترف الانتظار، فقطار الزواج توربينى لا يقف فى محطات وعليها أن تنتظره فى الميعاد المناسب والمحطة المحددة وإلا فاتها القطار وظلت على رصيف الانتظار وقد ضاعت عليها التذكرة وأصبحت عانساً .

زر الذهاب إلى الأعلى