أعمدة

أحمد المسلماني | يكتب :خريف سوريا

المسلمانى

سوريا بلدٌ رائع.. يسكنه شعب آسِر..

لم يدُر بخُلد أحدٍ ممن طالَع الأخبار الأولى للثورة السورية.. أن تكون على هذا النحو فى المسار والمصير.

جاءت الثورة فى سوريا امتداداً لموجة الربيع العربى 2011، ورأى كثيرون أن الثورة ستمضى مثل غيرها من «الثورات الشقيقة» فى إسقاط النظام فى وقت قصير.. وستنجح الثورة فى إعادة بناء الدولة.

مضت أعوام على بدايات الثورة.. وفى بدايات عام 2015 كانت الحصيلة المفزعة للثورة السورية هى اللاثورة واللادولة..!

(1)

بعد عام من الثورة بدت ملامح حرب أهلية، وبعد عامين من الحرب الأهلية بدت ملامح تقسيم الدولة.. وبالتوازى مع ذلك تقلّب العنوان السياسى لسوريا من «الثورة» إلى «الحرب» إلى «التقسيم». وقد سمعتُ من رئيس دولة عربية قوله: «إن الغرب بات يتحدث بجدّية عن تقسيم كل من ليبيا وسوريا.. وقد كنتُ أسمعُ ذلك من دوائر بحثية وأكاديمية فى السابق.. ولكننى أصبحت أسمع ذلك -الآن- فى دوائر صُنع القرار».

(2)

أصبح المشهد فى سوريا مفزعاً.. وأصبح الأمل محدوداً.. ولا يوجد أحد من أطراف الصراع لديه رؤية جيّدة بشأن المستقبل. وقد قابلت شخصيات عديدة من أطراف الأزمة السورية.. وكانوا جميعاً يردّدون ذلك النوع من الحديث الذى يكرره مذيعو ومراسلو القنوات التليفزيونية بشأن تطورات الأوضاع.

ولكن التكلفة الإنسانية فى سوريا باتت فادحة وفوق الاحتمال.. وهى، بوصف رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين «أنطونيو جوتيرنر»، «محنة إنسانية لم يشهد لها العالم مثيلاً خلال السنوات الماضية من حيث المعاناة والتشرُّد.. إنها مأساة القرن».

(3)

تتشكل ملامح «مأساة القرن» السورية على النحو التالى: قُتل أكثر من «130» ألف سورى حتى نهاية عام 2013.. وحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان فإن خريطة الدم توزعت على النحو التالى: «52» ألفاً من قوات النظام والمجموعات المسلحة الموالية له.. و«29» ألفاً من مقاتلى المعارضة.. و«2800» من مجهولى الهوية.. و«226» من مقاتلى حزب الله اللبنانى الذين يقاتلون إلى جانب النظام السورى. وحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن هناك نصف مليون جريح. وبشأن الأسرى والمحتجزين والمعتقلين.. يقدّر المرصد عددهم الإجمالى بـ«23» ألفاً، منهم «17» ألفاً فى سجون النظام، ونحو «6» آلاف من القوات النظامية والمجموعات المسلحة الموالية «أسرى» لدى كتائب المعارضة.

ومع الدماء والسجون.. كانت محنة اللاجئين والنازحين تشكل ملمحاً مفزعاً آخر من «مأساة القرن»، وتقدر هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عدد اللاجئين السوريين فى دول الجوار بمليونَى سورى منهم مليون طفل. وحسب مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فإن العدد يزداد بمعدل خمسة آلاف لاجئ يومياً! وقد وصل عدد اللاجئين السوريين لدى المفوضية إلى «716» ألفاً فى لبنان، و«515» ألفاً فى الأردن، و«460» ألفاً فى تركيا، و«168» ألفاً فى العراق، و«110» آلاف لاجئ سورى فى مصر.

وقد بدأت الدول المستقبلة لللاجئين فى إعلان معاناتها من حجم التكاليف.. وقالت وسائل الإعلام التركية: إن تكلفة اللاجئين السوريين على الخزانة التركية بلغت «2» مليار دولار.. وأعلنت الأردن ولبنان أنهما غير قادرتين على الأعباء المتزايدة للاجئين السوريين.

(4)

لقد بدأ الإحباط يسيطر على الحالة النفسية للاجئين.. وساد اليأس فى أوساطهم من احتمالات العودة إلى بلادهم.. وحسب تعليق أحدهم: «مشكلة اللاجئين السوريين لن تُحلّ وليس لها حلّ.. فأصل الموضوع أن السلام والأمان لن يطرُقا باب سوريا بعد اليوم».

وإذا كانت هذه هى محنة «اللاجئين» خارج سوريا.. فإن محنة «النازحين» داخل سوريا جانب آخر فى «مأساة القرن». وحسب تقدير الأمم المتحدة فإن عدد النازحين داخل سوريا يزيد على «4» ملايين نسمة.

وهكذا فإن ستة ملايين نسمة من الشعب السورى قد أُخرجوا من ديارهم، منهم مليونان خارج الوطن.

(5)

ثمة جانب مظلم آخر من مأساة القرن.. إنهم «المحاصَرون» داخل ديارهم.. المسجونون فى بيوتهم.. والمعزولون عن العالم ويُقدر عددهم بـ«2.5» مليون نسمة لا تستطيع المساعدات الإنسانية أن تصل إليهم.

وحسب الأمم المتحدة فإن هناك «9» ملايين سورى يحتاجون إلى المعونات، لكن «2.5» مليون منهم فى مناطق محاصرة أو مناطق يصعب الوصول إليها.

وتشير تقارير المنظمات الحقوقية والإغاثية إلى أن هناك من باعوا أعضاءهم، ومن شربوا من المياه العفنة، ومن أكلوا القطط والكلاب!

وقد أُصيب العالم بالهلع بعد انتشار مرض شلل الأطفال من جرّاء التدهور الحاد فى مستوى البيئة والحياة فى البلاد.

(6)

يحاول العالم أن يقدم المساعدات إلى النازحين واللاجئين والمحتاجين، لكن عمليات النقل عن طريق البرّ بالسيارات شرق سوريا أصبحت خطيرة جداً.. حيث المعارك المستمرة للسيطرة على طرق النقل، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى النقل الجوى للمساعدات بديلاً عن النقل الأرضى.. وفى 29 ديسمبر 2013 بدأت أول عملية نقل جوى للمساعدات الموجهة إلى سوريا من خلال أراضى العراق.. ثم نقلت الأمم المتحدة ثلاثة آلاف طن على «24» طائرة شحن من أجل إنقاذ «50» ألف لاجئ!

إنه عدد محدود للغاية بالنسبة إلى التسعة ملايين سورى الذين أعلنت الأمم المتحدة احتياجهم للمساعدات.. وبعملية حسابية بسيطة فإن الـ«24» طائرة شحن قد نقلت ما يكفى -مبدئياً- لإنقاذ نصف فى المائة من المحتاجين السوريين!

(7)

إن «مأساة القرن» لا تنتهى عن تلك المعادلة السوداء (2 + 4 + 3= 9)، ذلك أن المليونَى لاجئ والأربعة ملايين نازح والثلاثة ملايين جائع يعيشون معاناتهم وسط خريطة سياسية وفكرية بالغة البؤس والتردِّى.

ثمة حركات مدنية مسلحة وحركات مدنية غير مسلحة، وثمة حركات إسلامية مسلحة وحركات إسلامية غير مسلحة.. وثمة أديان ومذاهب وطوائف وأعراق.. باتت جميعها فى حالة صدام.. الكل ضد الكل!

الجزء الثانى الأسبوع المقبل بمشيئة الله.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى