أعمدة

أحمد المسلماني | يكتب : ليبيا.. قبل «داعش» بقليل

المسلمانى

كان الليبيون يتطلعون إلى «ما بعد القذافى» بكل الأمل نحو حياة رغدة لشعب ثرى.. ولكن «السلاح» بات يقتل الأمل كل يوم. إن عدداً من الميليشيات المسلحة وكتائب الثوار التى عملت ضد «القذافى» لم تُلقِ السلاح وباتت تستخدمه فى السياسة.. تحول بعضهم من «مناضلين» إلى «مجرمين»، ومن نداء «الحرية» إلى نداء «الكلاشينكوف».

أصبح السلاح الليبى الذى خرج من مخازن «القذافى»، أو دخل من خلال حلف الناتو، فى كل مكان، وأصبحت الميليشيات اللاعب السياسى الأهم فى البلاد، وتوالت حوادث قطع إمدادات النفط، بل وقطع خطوط الإنترنت، ومعها حوادث الخطف والقتل والتعذيب، حتى لقد تم خطف رئيس الوزراء «على زيدان» لعدة ساعات، وقال رئيس الحكومة إن الخاطفين الذين سرقوا نقوده وملابسه وهاتفه المحمول ووثائق مهمة، كانوا جزءاً من محاولة خصوم فى البرلمان للانقلاب عليه!

وهو ما دعا أحد المواطنين الليبيين للقول لوسائل الإعلام: «إذا لم يستطع رئيس الوزراء حماية نفسه فكيف يحمى البلاد؟ وإذا كان رئيس المؤتمر الوطنى والوزراء فى الحكومة يقولون إنهم لا يحكمون البلاد.. فمن الذى يحكم؟!».

وحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» فإن شارع الرشيد وسط العاصمة طرابلس يلخص المشهد الأمنى المنهار.. المسدسات «روسى وبلجيكى» فى سوق شعبية.. هناك باعة جائلون للسلاح.. وهناك مواطنون «يركنون» الدبابات فى «جراج» منازلهم!

وفى حفلات الزواج تستطيع أن تستأجر مدفعاً مضاداً للطائرات يُحمل على ظهر سيارة دفع رباعى مقابل «40» دولاراً أمريكياً فى اليوم.. وذلك للتجوال بالسيارة فى الشارع المحيط بحفل الزفاف لتحية العروسين!

تقول منظمة العفو الدولية: إن الميليشيات المسلحة باتت تهدد الأمن والاستقرار فى أجزاء واسعة من ليبيا. وأعلنت الأمم المتحدة أن هناك الآلاف من أنصار القذافى محتجزين لدى الجماعات المسلحة. وحسب مسئولة فى منظمة العفو فإن هناك حالات إعدام عديدة تتم خارج القضاء ودون محاكمة.

إن حالات الانتقام والأخذ بالثأر قد تجاوزت العمليات الفردية إلى العمليات الجماعية.. فلم تعد مقتصرة على خطف أو قتل الأفراد، بل الانتقام من مدن وقرى ومناطق بأكملها. وتذكر منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن مدينة تاورغاء، البالغ عدد سكانها «42» ألف نسمة وكانت تحظى باهتمام القذافى، أصبحت مسرحاً للقتال فى عام 2011، وانضم بعض شبابها إلى القذافى. ويقول أهل مصراتة إن أهالى تاورغاء ارتكبوا أعمالاً صعبة فى مصراتة وقت الحرب ويجب الأخذ بالثأر منهم.

وقد بدأت الجماعات المسلحة التى تنتمى إلى مصراتة بالفعل فى أخذ الثأر، حيث أجبرت جميع سكان تاورغاء على الخروج من بلدتهم. ومع خروجهم وتشردهم فى أرجاء ليبيا يجرى اصطيادهم واحتجازهم وتعذيبهم وقتلهم. وتعلّق المنظمة: «إن أهالى مصراتة يطالبون بالعدالة.. وهذا واجب.. لكن العدالة ليست فى العقاب الجماعى لمدينة بكاملها، بسبب جرائم بعض أفرادها».

■ ■

كان تنظيم القاعدة حاضراً فى كثير مما يجرى فى ليبيا بعد ثورة فبراير.. ويشير باحثون إلى بقايا «الجماعة المقاتلة» وإلى «كتائب أنصار الشريعة» وإلى «كتائب السجين عمر عبدالرحمن» كصور متعددة للتنظيم العالمى الذى لا يزال يُلهم أتباعه من أفغانستان.. لا سيما أن عدداً كبيراً من الليبيين يحتل مراكز قيادية فى تنظيم القاعدة العالمى.

يشير «هارون زيلين» فى دراسته «التيار الإسلامى فى ليبيا» التى نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن عناصر ليبية قد تولّت مواقع بارزة فى تنظيم القاعدة.. مثل:

1- «ابن الشيخ الليبى».. المسئول عن معسكر للتدريب العسكرى فى أفغانستان. تم القبض عليه فى نوفمبر عام 2001، وقام بتقديم شهادة كاذبة لإدارة «جورج بوش» تؤكد علاقة «صدام حسين» مع تنظيم القاعدة.

2- «أبوفرج الليبى»، بعد القبض على «خالد شيخ محمد» الرجل الثالث فى تنظيم القاعدة عام 2005، أصبح «أبوفرج الليبى» هو الرجل الثالث فى التنظيم.

3- «أبوأنس الليبى».. مؤسس تنظيم القاعدة فى ليبيا، وكان متورطاً فى تفجير السفارة الأمريكية فى كينيا وتنزانيا عام 1998، حيث قُتل أكثر من «200» شخص وأصيب أكثر من «4000» آخرين.

4- «الشيخ عطية الله الليبى».. كان منظِّرا مهماً. كان الذراع اليمنى لـ«أسامة بن لادن» قبل وفاته. ويعتبره الكثيرون نائب زعيم القاعدة، وقد قُتل فى أغسطس 2011 بواسطة طائرة بدون طيار.

5 – «أبوالليث الليبى».. كان قائداً عسكرياً بارزاً فى أفغانستان.. قُتل عام 2008.

6- «أبو يحيى الليبى» كان نائباً لـ«أيمن الظواهرى».. وفى يونيو 2012 قُتل فى غارة لطائرة بدون طيار.

7- «عبدالله سعيد الليبى».. كان قيادياً فى القاعدة وقد تمركز نشاطه على الحدود الأفغانية – الباكستانية.. حتى قُتل بواسطة طائرة بدون طيار.

■ ■

وهكذا أصبحت ثورة فبراير أمام تحديات الميليشيات المسلحة من ناحية وتنظيم القاعدة من ناحية أخرى.. وإزاء ضعف الوضع العام الذى تركه «القذافى» كان البعض يتطلع إلى تقسيم البلاد.

■ ■

إن «الأمل» لم يغادر الأراضى الليبية بعد. فالشعب الليبى بات مدركاً لمخاطر الداخل وأهداف الخارج، والقوى السياسية والطبقة المثقفة تنمو وتتطور على نحو يثير الإعجاب. وسوف تعانى ليبيا «محنة الحاضر» لبعض الوقت.. لكنها لن تستغرق الوقت الطويل حتى تصبح دولة حديثة وصاعدة.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى