مقالاتمقالات القراء

أحمد رشاد | يكتب : ذات ظلام

رشاد 1

منتصف الليل خرجت من المنزل أمشي على مهل في طريق قريتنا، أبحث عن أحد أصدقاء السهر والسمر دون جدوى، ربما ناموا مبكرا على غير عادة.. أتصل على هواتفهم، رنين من دون رد. صوت رياح متناغمة مع أوراق شجرة الصفصاف العجوز، نباح كلاب، صفير خفر قرى مجاورة، وصوت يحدد آخر موعد قطار. فقدت الأمل في أن أجد أحداً مازال في عينه رمق من سهر..
وفجأة سمعت صوتاً ينادي باسمى من البر الآخر ويقترب منى شيئاً فشيئاً: ساهر.. يا ساهر.. من هذا؟ إنه صوت طفل، إن كان صوت طفل بحق فلمَ لم ينادني بالعم ساهر وقد أكملت الثلاثين من عمري؟
نادى عن قرب هذه المرة من مسافة 15 متراً عرض ترعة المياه القديمة:

– كيف حالك صديقي ساهر؟

– من أنت أيها الصبي؟

– أنا محيي ياصاحبي، لماذا لم تكمل معي واجب الدراسات؟

– محيي؟! واجب الدراسات؟!
تذكرت أنه ابن جارتنا الكفيفة، زميل المرحلة الابتدائية الذي غرق هنا منذ 211 عاماً، يا ويلي، عرفت الآن لماذا أسمتني أمي ساهر.. لكي يكون لي نصيب من اسمي وأسهر هذه الليلة وأقابل أشباح الموتي.

هرولت مسرعاً باتجاه بيتي، سمعت صوت صفير على بُعد 1000 متر، إنه خفير، لله الحمد، عندما اقتربت منه سألني: لماذا تجري هكذا؟ بدأت أروي له ما رأيت.. تأكدت من ملامحه، يا إلهي، إنه عم عبدالحارس الخفير الذي قُتل على يد عصابة سرقة المواشي قبل 20 عاماً. .. لم أعد أتحمل، فقدت الوعي، ربما لدقائق أو ساعات، أفقت لأجد طبيباً يقيس لي الضغط وعم عبدالحارس يسأله: أفاق يادكتور ثائر؟
يا إلهي، إنه ثائر طالب الطب الذي استُشهد يوم جمعة الغضب، يا ويلي ما هذا؟ لماذا تجمَّعوا حولي؟ ربما سأموت الآن.. صرخت:
– ماذا تريدون مني؟

– دكتور ثائر: اهدأ ياساهر، لم ولن نؤذي أحداً، إن كنت خائفاً فارحل في سلام، أنت الآن بخير.. فقط سأكتب لك دواءين أحضرهما غداً من الصيدلية بـ 6 جنيهات.

– لابد أنهم شريطين من الأسبرين يا دكتور، أسعار الدواء ارتفعت جداً

– عبدالحارس الخفير: انتظروا، سأصنع لكم كوبين من الشاي، معي في جيبي قرطاس سكر مخلوط بمقدار من الشاى من ليلة الحادثة.
وبدأ يشعل الحطب ويتساءل: كيف حال حرمنا المصون يا ساهر؟

– أتقصدك أرملتك ياعم؟!

– نعم كيف حالها؟ بخير تأتى كل شهر الى مكتب بريد القرية لتتقاضى معاشها.. أنا موظف فيه الآن.

– رد عم عبدالحارس: الحمد لله، حتى بعد رحيلي تعيش في خيري، ولذلك أنا أحرس القرية حتى بعد مماتي كل ليلة الساعة 12 أطلق صفارات الإنذار لمدة 5 دقائق حفظاً لجميل وظيفتي.. أخبرني: هل تتقاضى الـ70 جنيهاً، المهية بالكامل.

– 70 جنيهاً، أنت طيب جداً، إنها تتقاضى 840 جنيهاً.

– اندهش الخفير وقال: ماذا؟ أكنت خفيراً أنا أم مديراً للأمن؟! سأشرح لك.. بعد تعويم الجنيه عمّ الغلاء لدرجة أن كليو السكر أصبح بـ 15 جنيهاً، معاشك لا يكفيها لأيام. انتفض عبدالحارس وأطفأ النار ووضع قرطاس السكر المخلوط بالشاى في جيبه مرة أخرى وحطم صفارته. وحرمت نفسي بكثرة كلامي وفلسفتي من كوب شاي دافئ، ربما لم يرد أصدقائي على اتصالاتي لهذا السبب أيضاً.. غلاء السكر أو لفلسفتي، لا أعلم!

– محيي: كيف حال أمي؟ أخبرها أني في مكان أفضل الآن. اطمئن ياصديق الطفولة من يوم أن فقدت بصرها لا ترى إلا أنت، وتعلم أنك بخير.
ابتسم الصبي ثم نظر الى تليفوني، وقال: ما هذه اللعبة ياساهر؟ قلت له: هي تليفون محمول. لم يستوعب، قلت له: بها ألعاب، جرِّب هذه اللعبة، وبها أيضاً اغان وأفلام ومسلسلات.

اندهش مرة أخرى عم عبدالحارس، وقال: أريد مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل ذئاب الجبل، لأنني مت قبلها بيوم.
دكتور ثائر: أخبرني ياساهر ماذا حدث للثورة من يوم 28 يناير حتى الآن.
(يستحسن ألا تعلم عنها شيئاً).

– لو أخبرتك يادكتور لشنقت ماردك آلاف المرات.

– بالله عليك قل لي ما حدث. سأحكي لك، ولكن يجب أن تتمالك أعصابك..
وللقصة بقية.

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى