أخبار العالم

أشرف الحواط| يكتب: سر الحياة

أشرف الحواط1

في القرن العشرين وقعت حربان عالميتان وكانت الثانية منهما أشد من الأولي ودفع ثمن الثانية اليابان وألمانيا فضربت اليابان بالقنابل النووية وألمانيا تم شطرها إلي غربية وشرقية ودمرت البنية التحتية نهائيا ولكن بعد سنوات قليلة أصبحت اليابان في خاتمة القرن العشرين من أقوى الدول اقتصاديا علي مستوى العالم وتوحدت ألمانيا وأصبحت من أولي الدول صناعياً واقتصادياً .

يا تُري ما هو السر في نهوض هاتين الدولتين اليابان وألمانيا بعد الدمار الذي لحق بهما ؟ والسر في التقدم الهائل الذي سبق كثير من الدول ؟ إنه الأمــــــل.

فالذي يدفع المؤمن إلى أن يخالف هواه ويطيع ربه، أمله في رضوانه وجنته،والذي يحفز الجندي إلى الاستبسال أمله في النصر الذي يبعث الطالب إلى الجد أمله في النجاح والذي يجعل المريض يتجرع الدواء المرير وربما في بعض الأحيان أن يقطع من جسده في عملية جراحية أمله في الشفاء والعافية .

الأمل سرُّ الحياة، وهو توقع حدوث شئ طيب في المستقبل كان مستبعد حدوثه .. فتأمل خبر الخليل إبراهيم يوم أن جاءته الملائكة مبشرين بغلام عليم فتعجب إبراهيم من قدرة الله أبعد الكبر والزوجة العاقر يكون الولد! كيف ذلك ؟ إن قلبه مملوء بالأمل وهذا ما دفعه للدعاء، حتى بعد ما بلغ الثمانين من العمر يطلب الولد “رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ” (الصافات 100) وهذا نبي الله زكريا كذلك . فالكون يسير بتدبير الله، بعلم الله، بحكمة الله، بلطف الله “قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ” الحجر (56) فلم يتسرب اليأس يوما إلي قلبهما لأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . الضالون عن طريق الله.

وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع . يحس أنه منفرد بهمه ، وحيد بمصابه،لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه فينفرد في معزل ، ففجيعته في ولده الحبيب يوسف الذي لم ينسه ، ولم تهوّن من مصيبته السنون ، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل -: ” يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ “ويكظم الرجل حزنه ويتجلد فيؤثِّر هذا الكظم في أعصابه حتى تبيض عيناه حزناً وكمداً ” وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ” يوسف (84) ولا يزال يحمل شعلة الأمل بداخله فيوجّه يعقوب بنيه إلى تلمس يوسف وأخيه ،ويعلمهم ألا ييأسوا من رحمة الله ، في العثور عليهما كما لم ييئس هو طوال هذه السنوات ، فإن رحمة الله واسعة وفرجه دائماً منتظر ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ” . يوسف (87) .

المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله ،فإنهم لا ييأسون من روْح الله ولو أحاط بهم الكرب .. { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَندون} يوسف (94) ريح يوسف ! كل شيء إلا هذا . فما يخطر على بال أحد أن يوسف بعد في الأحياء بعد هذا الأمد الطويل . وأن له ريحاً يشمها هذا الشيخ الكليل! إني لأجد ريح يوسف . لولا أن تقولوا شيخ خرف { لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } لصدقتم معي ما أجده من ريح الغائب البعيد ولكن المفاجأة البعيدة تقع ، وتتبعها مفاجأة أخرى :{ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } مفاجأة القميص . وهو دليل على يوسف وقرب لقياه . ومفاجأة ارتداد البصر بعد ما ابيضت عيناه وكله أمل في الله فكان يقول :- ” قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم ” سورة يوسف (83)ُ .
النبي محمد عليه الصلاة والسلام حينما غادر مكة مهاجراً، ووصل الجحفة، تروي بعض كتب التفسير أن هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ القصص (85) نزلت في هذا الموضع، أي يا محمد، لا تحزن وكن على يقين وأمل ، بأنك سوف تعود لمكة،التي أُخرجت منها في سبيل الله، وسوف تعود فاتحاً لها .

وحينما نبحث في التاريخ المعاصر عمن تحدوا الصعوبات والفشل لأجل بارقة أمل أضاءت حياتهم فنرى مصطفى صادق الرافعي ، كاتب مصري من أصل سوري ، لقب بمعجزة الأدب في دمنهور حيث كان والده قاضياً بها وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم أصيب بمرض يقال إنه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصاباً في أذنيه . استفحل به المرض حتى فقد سمعه نهائياً في الثلاثين من عمره لم يحصل الرافعى في تعليمه النظامى على أكثر من الشهادة الإبتدائية مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الإبتدائية .كان من أصحاب الإرادة الحازمة فإصابته بالصمم لم تجعله يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده ، فكتب الشعر و النثر .

أسطورة الطب في العالم الجراح العالمي د. مجدي يعقوب برغم الصعوبات والتحديات التي واجهها إلا أنه حطمها على صخرة الأمل بل وأصبح ينشر الأمل في قلوب كثير من الناس من خلال مؤسسته وأي مكان يوجد فيه عُرف عن د . مجدي يعقوب التفكير دوماً في الجراحات المعقدة، ورغبته الدائمة في تحدي صعوباتها ، وأوصله التحدي المستمر إلى اكتشاف أساليب تقنية من شأنها تعزيز مهارات الجراحين، بما يمكنهم من جراء عمليات كانت يوماً أشبه بالمستحيلة .

لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين.

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى