تقارير و تحقيقات

أقزام مصر لا تراهم عيون الدولة.. 0 7 ألفا من قصار القامة سقطوا من حسبان الحكومة

اقزام مصر
«الأتوبيس على بعد خطوات من المحطة، عقارب الساعة تشير للواحدة ظهرا وقت الذروة، الناس تبدأ فى الجرى والتدافع نحوه، أما هو فطوله الذى لا يتجاوز مترا واحدا لم يمكن الآخرين من رؤيته، فكانت النتيجة هى دهسه أسفل أرجلهم».. هذا هو المشهد الذى سيظل عالقا فى ذهنه، فبمجرد أن تتحدث معه عن المشاكل التى يواجهها فى حياته بسبب قصر قامته، تجد صعوبة التنقل فى وسائل المواصلات وحاجته لتوفير سيارة مجهزة له على رأس أولوياته.

حسن محمود، ذو الأربعة والثلاثين عاما يعد واحدا من بين 70 ألفا من قصار القامة فى مصر، تجدد الحديث عن حقوقهم التى يجب أن تكفلها لهم الدولة مع الدعوى القضائية التى تقدم بها أحد المحامين أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة مؤخرا تحت رقم 21763 لإلزام مجلس الشورى بإصدار قانون يكفل المعاملة الحسنة «للأقزام» وإدراجهم ضمن قائمة ذوى الاحتياجات الخاصة وتوفير فرص عمل مناسبة لهم.. ويتحدث «محمود» عن المشاكل التى واجهته بسبب قامته القصيرة مسترجعا فترة الدراسة قائلا: حدث موقف معى وأنا فى المرحلة الثانوية، حينما شب حريق وتدافع الطلبة على السلالم ولم يلاحظنى أحد، وكان وقتها طولى لم يتجاوز 70 سم، فانجرفت بين أقدامهم وهذا أكثر شىء حسسنى وقتها بالعجز وترك فى نفسى أثرا سيئا، وليس هذا فحسب فهناك أيضا مشاكل كثيرة تواجه «القزم» من أول دخوله المدرسة، تبدأ بالكراسى غير المؤهلة له ولا تتناسب مع طوله مرورا باللوحة الدراسية التى دائما ما تكون على مسافة أعلى بكثير منا.

ويتابع: بعيدا عن كل هذا هناك تناقض غريب فى تعامل الحكومة معنا، فهى ترفض مع بعض الحالات منحها شهادة الإعاقة وإثبات أحقيتهم فى الـ%5 بالمصالح الحكومية، ومع حالات أخرى تمنحهم الشهادة دون الكارنيه الذى يسهل لحامله الحصول على أشياء كثيرة، وبشكل عام نحن نتعرض لأخطار بالغة وحوادث الطرق تحصد أرواح الكثيرين منا، فذات مرة توفى صديق لى وهو يعبر الطريق لأن السائق لم يره.

أوضحت أحدث دراسة صادرة عن وحدة بحوث اقتصاديات التصنيع الغذائى، عن ظاهرة التقزم بعنوان «النمط الغذائى للأسر المصرية» وشملت 121 ألف أسرة فى 20 محافظة من محافظات مصر.. أن %32 من أطفال الأسر المصرية مصابون بالتقزم الناتج عن سوء التغذية، وأكدت الدراسة أن ظاهرة التقزم تنتشر فى الريف وبين أطفاله أكثر من الحضر، حيث ترتفع هذه الظاهرة إلى %34 فى الريف، بينما فى الحضر تصل إلى %21 كما ترتفع فى محافظات الوجه القبلى إلى %38 وفى الوجه البحرى إلى %22، وأكدت الظاهرة أن سوء التغذية والحالة التعليمية تلعب دوراً كبيراً فى هذه النسب.

محمد محسن، ذو التسعة عشر عاما، طالب فى كلية التجارة جامعة القاهرة، يعد واحدا من قصار القامة الذين نجحوا فى استكمال مراحلهم الدراسية على عكس كثيرين أثرت نظرة المجتمع السلبية تجاههم على نفسيتهم وزادتها سوءا، فدفعهم ذلك للمكوث بمنازلهم، رافضين الاختلاط بأحد والاندماج فى المجتمع الخارجى، يقول محسن: غالبية الأقزام لا يستكملون تعليمهم بسبب سخرية المجتمع، وما نحتاجه هو توفير الرعاية منذ ميلاد القزم سواء «صحية – اجتماعية – ثقافية»، ومساكن للأقزام ضمن الأسر الأولى بالرعاية، وكارنيه التأهيل المهنى وشهادة الـ%5 للأقزام لكى يعمل القزم بوظيفة محترمة.. «نظرة رؤسائنا فى العمل يغلب عليها الشفقة، وهذا السبب وراء اتجاه غالبيتنا للأعمال الحرة»، بهذه الكلمات بدأ أحمد عبدالرازق، ذو التسعة والعشرين عاما كلامه عن واحدة من أهم المشاكل التى تواجهه، وهى نظرة العطف والشفقة التى يراها فى عيون كل صاحب عمل.

ويضيف: لم أتمكن من استكمال تعليمى وتوقفت حتى المرحلة الثانوية بسبب السخرية التى كنت ألقاها من الجميع، خاصة أن شقيقى يعانى من قصر القامة مثلى أيضا، لذلك اتجهت للعمل وبدأت بالمقاهى ثم اتجهت للتمثيل وأخيرا الأعمال الحرة، وحاليا جار النظر فى دعوى قضائية قدمتها ضد الحكومة لأنها رفضت إعطائى شهادة إعاقة تفيد بأن يكون لى الأولوية فى أى شىء، على الرغم من أنهم قاموا بمنحها لأخى ونحن نفس الحالة.. وفكرة عمل قصار القامة فى المقاهى التى تحدث عنها أحمد عبدالرازق، تعكسها «جزيرة الأقزام» أو مقهى الأقزام فى أحد أحياء منطقة الهرم بالجيزة، وهى عبارة عن مقهى يعمل فيه 9 من قصار القامة، خصصها لهم أحد المواطنين بهدف مساعدة هذه الفئة التى تعانى من التهميش من قبل المجتمع فلا يوجد أحد يتحدث عنهم أو يساعدهم فيفضلون الجلوس داخل منازلهم، وعلى الرغم من التحديات التى تواجههم فإن عددا منهم يحاول إثبات نفسه من خلال تنمية مواهبه، وهذا ما حدث مع حمادة حليم ذى الخمسة والثلاثين عاما والذى لا يشغله استهزاء أى شخص به وإنما كيف يصبح شاعرا معروفا، فهو بدأ كتابة الشعر وهو فى الثانية عشرة من عمره بعدما فقد بصره واطلع على أعمال كبار الشعراء أمثال بيرم التونسى، أحمد فؤاد نجم، أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودى وغيرهم، يقول حليم: التعامل مع الأقزام وذوى الاحتياجات الخاصة يختلف من محافظة لأخرى، فمثلا فى كفر الشيخ لا ألاحظ سخرية المواطنين منى عكس القاهرة على سبيل المثال التى يتهكم فيها الآخرون علينا.. واتفقت معه نسرين حامد، ذات الثلاثين عاما، قائلة: قدرة أى قزم على إثبات نفسه والتعامل مع الآخر يرجع إلى أسرته، فإما أن تدعمه أو تقلل من عزيمته أكثر.

عصام شحاتة، رئيس أول جمعية مصرية للأقزام، يقول إن الجمعية تهدف إلى مساعدة الأقزام لاستخراج كارنيه التأهيل المهنى للأقزام، وتوفير فرص العمل اللازمة لهم والتأمين الصحى على أسرهم وتبنى المواهب الخاصة بالأقزام فى جميع الأنشطة والمساعدة فى تحمل مصاريف التعليم كاملة واستخراج معاش مؤقت بالتأمينات والوقوف على حل مشاكل المواصلات.

ويضيف: نحن لا نستطيع صعود الأتوبيسات أو الجرى وراء الميكروباصات، وكل ما أتمناه هو أن نندرج فى القانون ضمن قائمة المعاقين الـ%5.. وأحلم بتغيير ثقافة المجتمع للتعامل معنا.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى