مقالات القراء

إبراهيم الهادي عيسى | يكتب : ولن يُشادّ الدين أحد إلا غلبه

إبراهيم الهادي عيسى

إن خطر التفريط أعظم من خطر الإفراط، وذلك أمر معلوم قد يؤمن به كثيرون، ولكن في بعض الأحيان يرتفع خطر الإفراط فيحدو بصاحبه في آخر الأمر إلى شفا جرف هار.

فخطر الفكر المفرط يكون في عقول فئة من الناس يفهمون الدين فهمًا ضيقـًا ويؤولون النصوص التي لا تستحق التأويل ويأخذون بظاهر ما يمكن أو يجب أن يؤول، فيصل بهم ذلك إلى التشديد على أنفسهم، وليت التشديد كان على أنفسهم فحسب، وإنما يلزمون غيرهم باجتهاداتهم ورد اجتهاد من خالفهم، ويزيدون الطين بلة فيهجرون المجتمع ويعكفون على أفكارهم ولا يختلطون بالناس لحاجة في أنفسهم، وقد يرمون المخالف لهم بالابتداع والبعد عن صحيح الدين والركون إلى فرقة الشيطان، ومن هؤلاء من يخلع ربقة الدين من عنق مخالفه دون أن يتبين سبيله أو يتحقق من دربه الذي سلك!.

وأشد ما في الأمر سوءًا أن يرتفع مقدار الغيظ مع المخالف فيأوي بهم إلى إزهاق الأرواح دون سند أو حق، أو ينضوي بهم الخلاف إلى التخريب والتدمير، وقد تزداد وتيرة الأمر فيفضون إلى التمثيل بالموتى بعد قتلهم أو إهانة حرمتهم ، وهم قوم على الدين قد قتلوا وألسنتهم وقلوبهم وعقولهم تتمتم مذعنة بذلك!.

وقد حثنا الإسلام – مثلا- أن نعامل الناس بظاهر أحوالهم ولم يأمرنا أن نقلب في بواطنهم، بل أوجب علينا أن نوكل ظواهرهم وبواطنهم إلى الله ولا نعاملهم إلا بالظاهر.

وقد تجلى ذلك في معاملة النبي – صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين في المدينة حتى يعلم أمته القاعدة، ولما قتل أسامة بن زيد – رضى الله عنه- الرجل الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، سأله رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال أسامة: «قالها خوفًا من السيف يا رسول الله»، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم: «أشققت عن قلبه؟!».

ولا ينبغي الوقوف مع الإفراط موقفًا يحجبنا عن التقدم كما يتهم دعاة الانحلال مخالفيهم، وليكن الأخذ من التقدم ووسائله ما يتفق والأخلاق والقيم والدين دون خروج أو ركون إلى تقصير أو مخالفة للصواب.

ومن العجيب أن ترى بعضهم يحرم بعض الآلات مما يُفاد منها في الحياة! رغم سيطرة المرء على كل شيء بين يديه، فهو قادر على الإتيان بالشيء الفظيع أو الشيء الحسن جراء استخدامه، فالشيء لا ينعت بوصف إلا بسبل استخدامه.

وتلك نكتة لا بد أن يتنبه لها العالمون حتى لا يجعلوا أنفسهم عرضة لمن يشنعون عليهم من أهل التفريط.

وإن تعدد الأفهام رحمة إلهية قضاها الله، فلا ينبغي أن تقوم بيننا المنازعات الفكرية الطويلة – التي لا يلتزم فيها بآداب الحوار- لأجل قضية فرعية ليست من القضايا الكلية أو الأصيلة في الدين، وذلك مما عمت به البلوى في تلك الأيام وانهمك القاصي والداني في تلك المناظرات وتركوا الدين لقمة سائغة تأكلها أفواه الكارهين وتطحنها أضراس المفكرين من المستشرقين وغيرهم، ثم بعد ذلك تهضمها عقول العامة من الناس وهم لا يتفكرون.

إن قضية الإفراط جد خطيرة، وإن كانت خطواتها واهنة مع الذين يمتثلون الوسطية في التفكير والاستقامة في التطبيق، ولكنها تهرول مع الذين عرضت عليهم الفتن كعرض الحصير عودًا عودًا، وتعظم في كبرها حتى تحطم كل شيء يعترض طريقها.

فمن هؤلاء من يشهر السلاح في وجه أخيه المسلم أو غير المسلم ومن الممكن أن يرتفع جهد الأمر إلى أعلى من ذلك – لولا عناية الله- بالاقتتال بين أهل الدين الواحد وقد يكون بين أهل البلد الواحد وربما بين الأسرة الواحدة ممن تتفق أنسابهم وأعراقهم.

إن التزام الإفراط في كل شيء  ولاسيما الغلو في الدين- غاية صعبة التطبيق على الناس لما لهم من أعذار متعددة مختلفة قد لا يقبل بها فهم المفرطين.

وقد يضيق الناس ببعض المغالين في الدين فتتوطد في عقولهم الأفكار السيئة عن الدين، ويبنى من فوقها النظر السيئ للعلماء والانتقاص من التراث؛ وهذا ما نراه واضحًا جليًا أمام أعيننا في كل لحظة على صفحات الجرائد والمجلات وعلى مرأى ومسمع منا تنطق به شاشات التلفزيون وأثير الإذاعات.

وقد يظن المفرطون أنهم يحسنون صنعًا، ولكن شتان بين عمل منضبط بضوابط الوسطية الفكرية وعمل ساقت الأهواء السقيمة ركابه نحو التعنت.

ولا بد من علاج التطرف بعلاج ناجع شاف.

وليس من علاج إلا مجابهته بفكر رشيد وعمل سديد ونصح مفيد، ولا شك أن أفضل من يقوم بتلك الأمور هم العلماء العاملون والمفكرون العالمون والفقهاء المجتهدون وأهل الإعلام المنصفون.

وليعلم الجميع أن ذلك البيان ما هو إلا رشفة من بحر التمسنا فيه سفن الوضوح والاستقامة على سواء السبيل ، وعلمنا «… ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه…».

 

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى