أعمدةمقالات

إبراهيم عيسي | يكتب : أحضان دستورية

ابراهيم عيسي

حكيت أمس عن الشريعة المَصُونة المحصنة المطبَّقة فى مصر وكيف أن حكمًا قضائيًّا من «الدستورية العليا» يُعلِى قيمة الانضباط الملتزم بمبادئ الشريعة الإسلامية ثم يفتح لأهل الاجتهاد وللحاكم وإدارة البلاد باب الاجتهاد فى الأحكام غير القاطعة الثبوت وظنِّية الدلالة القابلة للتفسير وإعادة التفسير وللتأويل وللتغيير، كل هذا من خلال دعوى قضائية أقامتها جَدَّة تطالب بحقها فى رؤية حفيدتها بعدما حكمت محكمة الأسرة طبقًا للقانون بقصر رؤية الأجداد للأحفاد على حالة عدم وجود الأبوين.

جاء نص الحكم ليقول «وكان حقّ رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة من ثوابت الشريعة الإسلامية ارتكانًا إلى صلة الرحم وبِرّ الوالدين، إلا أنه حق أصيل لمصلحة الصغير، ولصالح أصوله على حد سواء، تلبية للفطرة الطبيعية التى فطر الله الناس عليها. وحين يقرِّر المشرع حدود هذه المصالح معرِّفًا بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية -القطعية فى ثبوتها ودلالتها- لا تقيم لحق الرؤية تخومًا لا ينبغى تجاوزها، ومن ثم تَعيَّن أن يتحدد نطاق مباشرته بما يكون أوفَى بمصالح الصغير والأبوين والأجداد، ومؤدَّى ذلك أنه يتعين أن لا يكون تنظيم مباشرة هذا الحق محدَّدًا بقواعد جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغيُّر الزمان والمكان، بل ينبغى أن يتسم دومًا بقدر من المرونة التى تتسع لها الأحكام الفرعية المستجيبة دوما للتطوُّر، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يحيد عنها، أو أن يتوقف اجتهاده عند لحظة زمنية معيَّنة تكون المصالح المعتبرة شرعًا قد تجاوزتها. وإذا كان للمشرع الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، وكان الثابت أنه ليس هناك نص قطعى الثبوت والدلالة فى شأن تنظيم حق الرؤية، فإن قيام المشرع بتنظيم هذا الحق لا يعدو أن يكون واقعًا فى دائرة الاجتهاد ويتعين أن يكون محققًا لأحد مقاصد الشريعة، تلبية لمتطلبات الظروف الاجتماعية التى تواكب إصدار النص المقرَّر».

هل استوعبتم درس المحكمة الدستورية؟ هل تعلمتم معنى الشريعة وكيفية التعامل معها؟ هل أدركتم حرص القضاء المصرى على صون الشريعة وتطبيقها؟

طيِّب، تعالوا نكمل الحكم فى شرحه التربوى والاجتماعى: «وكان النص المطعون عليه بقَصْره حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، قد أخلّ بما يتطلبه الحفاظ على صلة الرحم، والإبقاء على الروابط الأسرية وما يحمله هذا وذاك من قيم عُليا تحقِّق للنفس البشرية تكاملها الذى تهدف إليه مقاصد الشريعة الغَرَّاء، فإنه يكون من هذه الوجهة مخالفًا لأحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم للمادة الثانية من الدستور».

ثم يعود إلى الدستور فيقول «وحيث إن النص الطعين انطوى أيضا على تمييز بدون مبرر فى تنظيم حق رؤية الأحفاد بين الأجداد فى حالة وجود الأبوين، وبين الأجداد فى حالة عدم وجود الأبوين، رغم تماثل مراكزهم القانونية، ومساواتهم فى درجة القرابة، بما يناهض مبدأ المساواة المنصوص عليه فى الدستور، وبذلك يكون النص المطعون فيه قد خالف نصوص المواد (2، 10، 33) من الدستور، بما يوجب القضاء بعدم دستوريته».

لقد حكمت المحكمة بعدم دستورية قصر حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مِئَتَى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ولعل الجدة رأت حفيدتها الآن طبقًا للشريعة، وتَخيَّل أن حضن الجدة لحفيدتها صار حقًّا يكفله الدستور!

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى