مقالات

إسراء خطاب | تكتب: البِشعة

خطاب

من المعروف أن البدوي يأنف الكذب ولا يرضى أن يتهمه أحد به، لذلك اخترع بدو مصر «خاصة المتجمع في محافظة الشرقية بأبو حماد، بلبيس، فاقوس وأبوكبير.. وغيرهم» طريقة لكشف الكذب وهى ما تسمى «البِشعة»، فهم لا يقتنعون بالحلف واليمين وما زالت هذه الطريقة معمول بها في بعض النواحي من فلسطين والأردن وسوريا.

البِشعة عبارة عن:

أن يجتمع الخصوم في مجلس عربي عند شخص يقال له «المُبِشّع»، ويقوم هذا المُبِشّع بإحماء قطعة معدن هي أشبه بمقلاة البيض الصغيرة في النار حتى يصبح لونها كالجمر فيلعقها المتهم، فإن كان صادقاً فلا تضره شيئاً، وإن كان كاذباً فهى تلتصق بلسانه.

خطوات البِشعة الستة:

1-يُوضع المحماس (أداة شبه الملعقة ولكنها كبيرة الحجم) في النار حتى يُصبح شديد الاحمرار.

2-يُخرج المُبِشّع المحماس ثم يفرك به ذراعه ثلاث مرات، لكي يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء.

3-يمد المُبِشّع المحماس إلى الشخص المتهم ويقول له أبِشع.

4-على المتهم أن يمد لسانه للحاضرين كي يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدها.

5-يلعق المتهم المحماس ثلاث مرات وهو بيد المُبِشّع ثم يتمضمض ببعض الماء ثلاث مرات أيضاً.

6-إذا ظهر على لسانه أي أثر للنار قالوا موغوف أي مذنب وإن لم يظهر فهو بريء.

-وخلال إجراء البشعة، تظل عينا المُبِشّع على الحضور، مراقباً تغيّرات وجهيهما، ومحذراً من خطورة تعرض لسانهما للحرق إذا كانا كاذبين، والتمتمة بكلمات غير مفهومة.

سبب اللجوء إلى البِشعة:

يطلق البعض عليها مسمى المحكمة العرفية، ويستخدمونها في القضايا التي ليس هناك أدلة إثبات أو شهود فيها.

قواعد اللجوء إلى البِشعة:

ويشير إلى أن من قواعد اللجوء إلى البِشعة، أن المدعي هو الذى يطلب بِشعة المدعي عليه في أغلب الحالات، وقد يرفض المدعي عليه أن يُبِشع فيحكم عليه القضاة بالبشعة، وفى بعض الأحيان يكون الطالب للبشعة هو المدعي عليه تخلصاً من التهمة الموجهة إليه، والمدعي هو الذي يختار المُبِشع، ذلك لأنه هو الرجل الذي يجب أن يطمئن وله الخيار في أن يصر على حقه هذا أو يعدل عنه.

يعين المدعي والمدعي عليه شهود قبل سفرهما إلى البِشعة, ووظيفتهم أن يشهدوا أمام المُبِشع بالطريقة التي اتفق عليها الفريقان لأجل حل اختلافهما، والأسباب التي حدت بهما إلى البشعة, وأن يشهد أيضاً بالنتيجة التي آلت إليها البِشعة.

هناك تراجع في اللجوء إلى البِشعة، بل إن البعض اعتبرها مخالفة صريحة لتشريعات الإسلام، ولكن المقصد الأساسي منها ترهيب لمعتادي النكران، وفيها مقاصد تخويف لإبراز وإظهار الحق.

تفسير طريقة البِشعة:

فسر البعض البِشعة، فقالوا إن الإنسان الصادق يكون واثقاً من نفسه، بحيث لا يجف ريقه ويكون لسانه مبتلاً، فلا تؤثر فيه حرارة المعدن، وأما الكاذب فيكون مضطرباً لدرجة أن ريقه يجف مما يجعل المعدن يلتصق بلسانه.

أنواع البِشعة الثلاث:

1-بشعة العيادي: وهى محصورة في عائلة أبو عويمر من قبيلة العيايدة في سيناء، ومقرها اليوم في الإسماعيلية.

2-بشعة الدِّبِرْ: وهى محصورة في الدّبُور من العمران من قبيلة الحويطات في جنوبي الأردن، وقد انتهت هذه البشعة فعلياً عام 1976م، بموت أخر مبشع وهو على بن مساعد الدبر، وإلغاء قوانين الإشراف على البدو.

3-بشعة العلى: وهى محصورة في عائلة العلى من القواعين من مخلد من قبيلة بلى الحجاز، ومقرها شمال غرب الحجاز، وقد انتهت كما بشعة الدبر ولم تبقى إلا بشعة العيادي.

حكم الشرع في البِشعة:

البشعة ليس لها أصل في الشرع، وإنما يجب أن نعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البَيِّنةُ على مَنِ ادَّعى واليَمِينُ على مَن أَنكَرَ» رواه البيهقي في السنن الكبرى والدارقطني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فهذا الحديث الشريف رسم لنا طريق المطالبة بالحق وإثباته أو نفي الادعاء الباطل، وهذا ما يجب على المسلمين أن يتمسكوا به دون سواه من الطرق السيئة التي لا أصل لها في الشرع، بل وتنافي العقائد الثابتة بخصوصية الله تعالى بعلم الغيب، قال تعالى: «قُل لا أَملِكُ لنَفسِي نَفعًا ولا ضَرًّا إلاَّ ما شاءَ اللهُ ولو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاستَكثَرتُ مِن الخَيرِ وما مَسَّنِيَ السُّوءُ» (الأعراف:188).

 

زر الذهاب إلى الأعلى