أعمدةمقالات

احمد منصور | يكتب : الوزير الشاب والموظفون الكهول

تنزيل (5)

لا يمر يوم منذ أن تولى وزير التموين والتجارة الداخلية المصرى باسم عودة منصبه فى شهر يناير الماضى دون خبر يحمل بصمات غير عادية أو إنجازات مميزة أو تصرفا مثيرا للجدل يقوم به الوزير فى ركن من أركان مصر من الإسكندرية شمالا وحتى أقصى مدن الصعيد جنوبا، وباسم عودة هو أصغر وزراء حكومة هشام قنديل سنا وأعتقد أن وزير الصناعة حاتم صالح فى نفس عمره وكلاهما فى بداية سن العطاء كما أسميه وهو سن الأربعين وإن كان آخرون يقولون إن سن العطاء يبدأ فى الستين، ومفهوم الشباب هو الإبداع والنشاط والحركة والعطاء لذلك فإن من المميزات القليلة فى حكومة هشام قنديل التى ينتظر أن يجرى بها تعديل على عدد من الحقائب لا ندرى متى يعلن عنه هو أن بها كثيرا من الشباب مقارنة بحكومات مبارك التى كانت حكومات للكهول، لكنى حينما درست جانبا من ملف وزارة التموين فوجئت بأنها وزارة الكهول فالوزارة لم تجر بها تعيينات لاسيما للوظيفة التى تشكل عصب الوزارة وهى مفتش التموين منذ ما يزيد على عشرين عاما، وهذا يعنى أن متوسط أعمار مفتشى التموين فى الوزارة هو النصف الثانى من الأربعينيات أو الخمسينيات،

أى أن الماكينة التى يدير بها الوزير الشاب منظومة وزارته هى من الكهول وكبار السن، الأمر الآخر السيئ داخل هذه الوزارة هو أن رواتب موظفيها متدنية إلى حد بعيد وهذا ما جعل سمعة مفتش التموين سيئة ووظيفته مشبوهة فالدولة تطلب منه الرقابة على أصحاب المخابز والمتاجر والمواد الغذائية وهم من أصحاب الأموال بينما راتبه لا يكاد يكفى متطلبات حياته الأساسية مما يجعله تحت ضغط القبول بالمغريات المادية حتى يغض الطرف التى تعنى بمفهوم أدق الدخول فى منظومة الرشاوى والفساد حتى يستطيع أن يعيش، وبالتالى فإن وزارة التموين التى يقوم الوزير الشاب فيها بإنجازات يومية لديه مشكلة لا أدرى ماذا سيفعل حتى يقوم بحلها تتمثل فى الدخول المتدنية والسمعة السيئة التى تحيط بموظفى الوزارة الذين يتعاملون مع التجار وأصحاب المخابز والأمر الثانى أن جسم الوزارة المترهل الذى أدركته الشيخوخة لا يساعد على الإطلاق فى تلبية طلبات العقل أو الرأس المدبر الذى يدير هذا الجسم، وهذه معضلة أكبر من معضلة حل أزمة رغيف الخبز، لأنه فى حالة أن باسم عودة نقل إلى وزارة أخرى أو تقاعد أو أقيل سيعود كل شىء إلى ما كان عليه من قبل، وهذه فلسفة من يتولى منصبا فيحوله إلى أداء مؤسسى وليس أداء فرديا يرتبط بشخصه،

فالمؤسسات حينما تبنى على أساس سليم وتختار الأفضل فى التوظيف وتضع النظم والقوانين الفاعلة والخالية من البيروقراطية لا تتأثر فى النهاية بمن يجلس على رأس المؤسسة سواء كان باسم عودة أم غيره، معضلة وزارة التموين هى معضلة كل أجهزة الدولة التى ترهلت وشاخت سواء فى أدائها أو تفكير موظفيها، ولنا أن نتخيل أن دولة مثل تركيا عدد موظفى الحكومة فيها لا يزيد على عشرة فى المائة فقط من عدد موظفى الدولة فى مصر، ولنا أن نتخيل أن عدد موظفى الدولة فى مصر هو عشرة فى المائة فقط من العدد الحالى وأنهم يتقاضون عشرة أضعاف الرواتب التى يتقاضونها الآن، ويتم تدريبهم على أحدث نظم الإدارة بشكل دائم، وأن الحكومة تغنيهم حتى لا يكونوا تحت سطوة غنى أو رشوة محتال، كما أن الوظائف تكون بالاختبار والأختيار لا بالواسطة والمعرفة،

ما هى الحال التى ستكون عليها مصر إذا تحقق هذا، وأذكر هنا قصة رواها لى أحد كبار موظفى التليفزيون السابقين، وهى أنه فى خلال حرب أكتوبر عام 1973 طلب الرئيس السادات من وزير الإعلام آنذاك ألا يذهب فعليا للتليفزيون إلا الموظفون الذين يقومون بأعمال والباقون يظلون فى بيوتهم حتى تنتهى الحرب، حينها لم يذهب إلا عشرة فى المائة فقط من الموظفين وهؤلاء هم الفئة العاملة الحقيقية فى كل مؤسسات الدولة فى مصر والباقون عالة على زملائهم وعلى المجتمع وعلى ميزانية الدولة، لن ينصلح حال مصر بوزير أو رئيس فقط وإنما بمنظومة شاملة تعيد الشباب والحيوية إلى كيان الدولة.

 

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى