أخبار العالم

الإفتاء:دعم التنظيمات إرهابية بأى طريقة حرام شرعًا

الافتاء

أكدت دار الإفتاء المصرية أن الانتماء إلى التنظيمات المسلحة ودعمها بأى صورة من الصور حرام شرعًا، لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد، وتشوه صورة الإسلام بأفعالهم الوحشية التى يتبرأ منها الإسلام والمسلمين بل والفطرة الإنسانية السليمة.

وأضافت دار الإفتاء فى فتوى لها أن مثل هذه التنظيمات بفكرها المتطرف قد ضللت الكثير من الشباب الذين تم التغرير بهم تحت اسم الدين والجهاد وتحت اسم الدولة الإسلامية، بينما هى فى الحقيقة محاولة لتشويه الدين وتدمير البلاد وسفك دم العباد، بعد أن ضلوا فى استنباط الأدلّة الشرعية، وانجرفوا فى فهمهم للآيات والأحاديث، فهم يلوون عنق النصوص لكى يبرروا مواقفهم وأفعالهم الدموية المتطرفة ولا يتورعون عن التجرؤ على دماء الخلق، واستصدار الفتاوى الشاذة المنكرة لصالح منهجهم التكفيرى الذى يعيثون به فى الأرض فسادًا. وهم بذلك {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} ويخالفون قواعد الفتوى المعتبرة من الدراية التامة بالعلوم الشرعية والواقع المعيش، لكى يتمكنوا من استنباط الأحكام الصحيحة، فيعمدون إلى الاستدلال بآية أو بمقتطف من آية دون إحاطةٍ بكل ما جاء فى الكتاب والسنة عن الموضوع، ويحملون آى القرآن الكريم ما لا تحتمل فينسبون أحكامها زورًا وبهتانً وجهلا إلى الإسلام، وبذلك يصدق فيهم قول الله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْى فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

وأكدت الدار أن الحرمة التى يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء، تنسحب هذه الحرمة، وذلك الجرم أيضا على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة، بل يطردون من رحمة الله، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ ولو (1) بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ).

وأشارت الفتوى إلى أن الجهاد لابد أن يكون تحت راية الدولة ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد، وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارت المصيرية، حيث ينظرون فى مدى الضرورة التى تدعو إليه من صد عدوان أو دَفع طغيان، فيكون قرارهم مدروسا دراسة صحيحة فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها الحكمة أو زمام التعقل.

وأكدت الدار أنه لا يجوز لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه عبر جماعات أو تنظيمات مسلحة دون مراعاة تلك الضوابط والشروط وإلا عُدَّ ذلك افتئاتًا على ولاة الأمور، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد. مبينة أنه لو كُلِّف مجموعٌ الناس بالخروج فُرادَى من غير استنفارهم مِن قِبَل ولى الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى ﴿وما كانَ المُؤمِنونَ ليَنفِروا كافَّةً﴾ [التوبة 122]، مع ما فى هذا التصرف مِن التَّقَحُّم فى الهلكة دون مكسب مذكور للجماعة المسلمة، وإهمال العواقب والمآلات، والتسبب فى تكالب الأمم على المسلمين، وإبادة خضرائهم، والولوج فى الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين والتى تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية هذه؛ ومن المعلوم شرعًا وعقلاً وواقعًا أن التشتت وانعدام الراية يُفقِد القتال نظامه من ناحية، ويُذهِب قِيَمَه ونُبلَه ويشوش على شرف غايته من ناحية أخرى.

وأكدت دار الإفتاء فى فتواها أن ما تقوم به التنظيمات الإرهابية مثل من يسمون أنفسهم كذبًا بـالدولة الإسلامية وغيرها من قتل للرجال والنساء وترويع للآمنين وتدمير للممتلكات العامة والخاصة ونهبها لا يمت للإسلام بصلة، لأن الشريعة الإسلامية حرمت فى حالة الحرب مع العدو غير المسلم قتل النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين، والظلم والجور، وتخريب العمران، وقطع الأشجار، بل حرمت قتل الدواب، فما بالنا بالمسلمين.

وأشارت دار الإفتاء فى فتواها أن الشريعة حرمت كذلك ما يظهر الإسلام بمظهر سيئ وينفر الناس منه ومن أخلاق أتباعه؛ لما فى ذلك من صد عن سبيل الله بعكس المراد من الجهاد، فلقد روى أبو داود عن رباح بن ربيع قال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فى غزوة فرأى الناس مجتمعين على شىء فبعث رجلا فقال انظر علام اجتمع هؤلاء، فجاء فقال على امرأة قتيل، فقال ما كانت هذه لتقاتل. قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا فقال قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفًا. والعسيف هو الأجير الذى لا علاقة له بالقتال.

وحول تهجير التنظيمات المسلحة للمسيحيين وغير المسلمين وإجبارهم على الدخول فى الإسلام، أكدت دار الإفتاء فى فتواها أن الإسلام دين التعايش، ومبادئه لا تعرف الإكراه، ولا تقر العنف، ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان، فى آيات كثيرة نص فيها الشرع على حرية الديانة؛ كقوله تعالى ﴿ لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى﴾ [البقرة 256]، وقوله سبحانه ﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ [الكهف 29]، وقال جل شأنه ﴿لكم دينكم ولى دين﴾ [الكافرون 6]. وهم بذلك يخالفون الإسلام وما جاء به سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – الذى نهى عن قتلهم بل أمر بإكرامهم وجعل لهم حق الجوار، وهم لم يرفعوا سلاحًا ضد المسلمين بل يتعايشون مع المسلمين فى سلام وأمان، قال تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). [الممتحنة8].

وأضافت الفتوى أنه لما ترك الإسلام الناس على أديانهم فقد سمح لهم بممارسة شعائر أديانهم فى دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأولى بها عناية خاصة؛ فحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها. فقد قال أبو بكر الصديق – رضى الله عنه – فى وصيته لجيوشه لا تؤذوا راهبا أو عابدا ولا تهدموا معبدا أو صومعة. بل إن القرآن الكريم جعل تغلب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم فى الأرض سببًا فى حفظ دور العبادة من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها، وذلك فى قوله تعالى ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز. الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور﴾ [الحج 40- 41].

وأوضحت الدار فى فتواها أن قيام هذه الجماعات الإرهابية بهذه الأفعال البغيضة والجرائم الشنيعة قد أضر بالإسلام والمسلمين أكثر من نفعهم، حيث شوهوا صورة الإسلام الصافية النقية فى الداخل والخارج وصوروه أنه دين عنف وقتل، فى حين أن الإسلام دين رحمة وسلام، قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء107] وقال عز وجل أيضًا (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران 159]، وقال رسول الله عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش [رواه البخارى]، مشيرة إلى أن الإسلام قد انتشر فى معظم دول العالم بالدعوة الحسنة وليس بالعنف والقتال، مصداقًا لقوله تعالى (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل 125].

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى