أعمدةمقالات

الدكتور رضا عبدالسلام| يكتب: تحية إلى صاحب الفضل في نصر أكتوبر ٧٣

أكره من يصنعون الآلهة، بل أمقت رؤية سحناتهم أو الاستماع إلى أصواتهم، هؤلاء الأفاقون المنافقون (تاريخيا) أشد خطراً على الأمة من أعدائها بل هم الأعداء.

قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، كنا مع هذه الذكري من كل عام مضطرون ومكرهون على الاستماع إلى وصلات النفاق الممجوج والمدح والتمجيد في صاحب الضربة الجوية، وأنه لولاه لما انتصرنا على اليهود في تلك الملحمة التاريخية مؤكد إن السادات هو العقل المدبر وهو من خطط ورتب ونفذ، ولا يليق أن ننكر فضله.

ولكن بمسئولية أمام الله، إذا كان هناك من فضل في نصر أكتوبر فهو لله تبارك وتعالى أولاً وثانيا للإنسان المصري.

وعندما أتحدث عن الإنسان المصري فإنني أتحدث عن الضابط وعن الجندي وعن العامل وعن الفلاح.

على مدار التاريخ وحتى أيامنا هذه، قدم الانسان المصري البسيط أروع المثل في التضحية والفداء وغالبا وكما يقول المثل “ما بتهونشي إلا على الغلبان والفقير والبسيط” .

نعم غالبا ما تكون التضحية من البسيط، وهو العامل والفلاح، الذي قدم ابن واثنين وثلاثة فداء لهذا الوطن، وعلى استعداد كامل لتقديم المزيد هؤلاء هم العشاق لتراب مصر وقد رأينا عشرات الأمثلة مؤخرا مع أسر شهداء سيناء.

في المقابل، يسعى أصحاب النفوذ، أولئك الذين يحبونها حب الشيكولاتة – وبكل السبل – لتجنيب أبنائهم الالتحاق بالجندية او يتجنبون توزيعهم في سيناء او على خط النار، واذا استحكمت، يسعون ليكون جيش أبنائهم المدللين في المدن والنوادي مؤكداً أن هناك استثناءات تستحق الاحترام.

هذا كلام نسأل عنه أمام الله هؤلاء الشرفاء والبسطاء الذين يعشقون تراب مصر، انطلقوا كالوحوش في وجه العدو الصهيوني، بدافع حب الوطن والثقة في الله وبعد تخطيط جيد فأيدهم الله بنصره على عدوه وعدوهم.

قبل أكتوبر ٧٣ ، سخر القطاع المدني إمكاناته لبناء الجيش وتقويته لاستعادة كرامة العرب جميعا وليس المصريين فقط.

وفي هذه الذكرى العطرة، سأذكر لحضراتكم نموذجين، يعكسان عظمة المصريين وإخلاصهم وتضحياتهم للوطن ولنستلهم منهما الدروس والعبر:

المثال الأول: وهو من مقابر الشهداء بالاسماعيلية، التي كانت مجاورة لكتيبتي في الجيش الثالث، فكنت ضابط احتياط، وكنت أجد نفسي وراحتي عندما أذهب في العصاري، وأتجول بين مقابر شهداء أكتوبر .

كنت أرى قبر جرجس إلى جوار قبر محمد، سالت دماؤهما واختلطت وذابت حبا وفداء لهذا الوطن وهذه رسالة واضحة لكل جاهل يفكر أو يحاول فهم سر وحدة المصريين، مسلمين وأقباط.

المشهد الثاني: فهو على لسان حارس المقبرة؛ سألته يوما ما هو اغرب موقف تذكره لأسر الشهداء قال لي في يوم من الأيام جائت سيدة في حوالي ٣٨ الى ٤٠ سنة من عمرها، وكنت أراقبها عن قرب فرأيتها ذهبت وجلست على رأس قبر زوجها شهيد أكتوبر، وكان ذلك في عام ١٩٩٠ أي بعد نصر اكتوبر ب١٧ سنة .

وكان حوارها مع زوجها الشهيد كالتالي إزيك يا أحمد يا حبيبي أنا جاية أفرحك: مش زينب بنتك حبيبتك جالها عريس، بنتك طالعة حلوة ليك، العرسان عمالة تجري عليها يا أحمد، امبارح جه فلان ابن فلان، ما انته عارفه، إيه رأيك يا أحمد، ناس طيبين مش كده، كان نفسي تكون أنتا اللي بتكتب كتابها إلى آخر الحوار”.

زوجة شهيد، تركها زوجها وهي شابة في ريعان شبابها، حافظت على العهد وصانت العرض وأخلصت وارتضت إرادة الله ليتنا نستعيد هذه المرأة والأم المصرية، التي كانت على مدار التاريخ مصنعاً للرجال الأشداء الشرفاء.

هذه هي مصر وهؤلاء هم أبناؤها الذين صنعوا النصر هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون، وليس الأبطال من ورق، الذين يداوم إعلام النفاق على صناعتهم من عهد لآخر كان وسيبقى الإنسان المصري البسيط هو سر مجدها وعزها.

إذا أردنا ان تعود مصر إلى سابق مجدها فعلينا أن نستعيد روح أكتوبر وشعب أكتوبر وقيم أكتوبر لا ينبغي أن نكتفي في احتفالاتنا السنوية بوضع أكاليل من الزهور وبث مجموعة من الأغاني الوطنية.

من قيم أكتوبر، وهذا مجرد مثال، كيف نسلم ونؤمن ابن الفلاح أو العامل على عرض وشرف الوطن في سيناء، ونخجل أن نوليه وظيفة هو أهل لها؟ .

عندما يأتيني إلى مكتبي شاب رائع باكيًا فاقدًا الأمل محبط، وهو أحد اوائل كلية الحقوق، خدم وطنه في سيناء ونال شهادات تقدير هناك من قياداته، ورغم ذلك، تم استبعاده من التعيين في كافة الهيئات القضائية، بحجة أنه ولد لأب وأم لا يجيدان القراءة والكتابة؟ كيف؟ .

ما هذا التناقض المقيت؟ تم استبعاد هذا الشاب المتفوق الذي خدم وحافظ على شرف الوطن، وعين صاحب الحظوة الأقل تقديرا!! هذا المشهد المتناقض يذكرني بالمثل الشهير “في الأفراح منسيين وفي الأحزان مدعيين” أليس كذلك؟ هل هذه قيم أكتوبر ومصر أكتوبر؟ .

مصر عظيمة وغنية وتمتلك كافة مقومات القوة والنصر على أعدائها هي فقط بحاجة لأن تلملم جراحها وشتتاتها وتستعيد وحدتها وقيمها التي وفرت افضل مناخ للنصر.

رحم الله كل شهيد خاطر وقدم روحة لنحيا نحن رحم الله كل يد ساهمت في صناعة هذا النصر العظيم…رحم الله القيادات العربية التي اجتمعت لأول مرة في تاريخها على كلمة سواء، وقاموا بمقاطعة اسرائيل ومن يدعمها فأيدهم الله بنصر من عنده.

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى