مقالات

الدكتور رضا عبدالسلام | يكتب: ماذا ننتظر لشعب يأكل ويشرب من فضلاته ونوافقه ؟

 

عبدالسلام

 

 

شعب مصر هو الشعب الوحيد في العالم…وأكرر في العالم.. الذي يأكل ويشرب من مخلفاته ومن مخلفات حيواناته…نعم نحن كذلك…ولهذا ليس غريبا أن نكون أعلى شعوب العالم إصابة بالسرطانات القاتلة بمختلف أشكالها…حتى دول أفريقيا الفقيرة لا توجد فيها عشر معدلات اصابة المصريين بسرطانات الكبد والبنكرياس والكلى والقولون.والمريء..الخ.

أتذكر طفولتي في القرية، عندما كنا نشرب من مياه الترعة الهادرة عندما كان المصريون معنيون ومحافظون على نيلهم وترعهم ومصارفهم…كانت المياه بيضاء كلون السماء، نقية نقاء القلوب الصافية وكانت جوانب الترع نظيفة تحيطها الحشائش الخضراء التي كان الصدر ينشرح لمجرد رؤيتها.

الآن اتحدى أحدا يستطيع مجرد النظر إلى الترعة أو السواد الذي يجري في مجاريها…ولما لا، وقد تحولت ترعنا الى طرنشات لصرف مجاري المنازل ولكسح صرف البيوت البعيدة، والصرف الصناعي، بل لإلقاء القاذورات بكل صورها وأشكالها إضافة إلى الحيوانات النافقة…وكلنا نرى هذا المشهد صباح مساء.

خلال جولاتي بين القرى عندما كنت محافظا للشرقية كنت انظر للترع واتحسر على ما آلت اليه احوالنا … لهذا لا عجب ان يعتل ويمرض المصريون بمختلف الامراض الفتاكة، وبالتالي تحولنا من شعب صحيح سليم الى شعب معتل عبء على الاقتصاد. ننفق عشرات المليارات سنويا على العلاج الحكومي والخاص وتزداد أوضاعنا سؤا…فحالنا على المستوى الصحي من سيء لأسوأ.

لاشك ان المشكلة هي حصاد تدهور في اشياء كثيرة، شأن ما أصاب مصر بأكملها في كافة الميادين، ولكن هناك قصور شديد ساقنا الى هذا المصير الكارثي…فنحن نشرب من المياه العابرة في تلك الترع التي نخاف من مجرد النظر اليها…ونأكل من الزرع الذي روي بتلك المياه السامة… وأكرر السامة… فماذا ننتظر غير الامراض الفتاكة والمنتجات الرديئة بل والضارة، التي ترفض الدول الشقيقة وغير الشقيقة استيردها الأن.

الآن…وفي ظل هذه الكارثة التي تحدق بنا وبالأجيال القادمة…هل الى خروج من سبيل؟ هل من حلول؟ ام نظل كالأموات مفعول بنا غير فاعلين؟

بالطبع الحلول ممكنة، وينبغي أن نفكر تفكير غير تقليدي في حل هذه المشكلات وغيرها، ومن بين ما أقترحه من حلول، والتي ينبغي أن تتم على التوازي وفي آن واحد، ما يلي:

أولا: الدخول في حملة توعية مكثفة يقودها قادة افكر والعلم والنماذج المحترمة من رموز الفن بحيث يعد جيدا لهذه الحملة، كانه مسلسل، ليتم ابراز مخاطر الصرف في الترع والقاء القمامة والسموم والنوافق فيها….ينبغي ان تقدم هذه الحملة بطريقة مشوقة.

ثانيا: لن تحقق حملة التوعية التي اشرنا اليها أعلاه أهدافها الا اذا وفرنا للمواطن البدائل، وأقصد هنا شبكات الصرف الصحي…فما لا يقل عن 60 % من قرى مصر غير مغطى بشبكات الصرف الصحي…ولهذا ليس امام الناس من بدائل غير القاء الصرف في مجاري المياه التي نشربها ونتغذى على منتجاتها….لذا لابد من حلول مبتكرة تتيح للقطاع الخاص اقامة محطات معالجة لمياه الصرف على نواصي الترع بحيث تقدم للقطاع الخاص الذي بستثمر في هذا المجال كافة التيسيرات والحوافز …

هناك اجهزة رأيتها بنفسي من انتاج الهيئة العربية للتصنيع والتي يمكن ان يستثمر فيها الشباب يتم وضعها على مساحة لاتزيد عن 3×3 متر على ضفاف الترع….المطلوب فقط التيسيرات من قبل الوحدات المحلية…وبالتالي يمكن توصيل المنازل بتلك الأجهزة لمعالجة مياه الصرف الصحي وبالتالي توفير البديل…والله ان ما تحتاجه مصر هو مسئول يملك القرار لا التمويل…

إذا ما فعلنا هذا سنضرب اكثر من عصفور بحجر واحد: حيث سنوفر المليارات التي تخصص سنويا لمحطات صرف اغلبها لابحقق اهدافه لأسباب كثيرة …ونخلق آلاف فرص عمل للشباب الذي سيدير تلك الأجهزة، وقبل كل شيء نحمي مجارينا المائية وبالتالي نحمي الانسان المصري من كماشة الامراض التي احاطت به…ونوفر فاتورة العلاج المليارية….الخ.

ثالثا: مع توفير البدائل لابد ان يعلو صوت القانون بعقوبات رادعة تطبق على من يثبت تصريفه أو القائه للصرف او القمامة في مجاري النيل والترع…لابد وان تكون العقوبات رادعة…فمن امن العقاب أساء الأدب كما نكرر دائما….

رابعا: اقامة مسابقات على مستوى كل محافظة لاختيار القرى النظيفة والصديقة للبيئة بحيث نحفز الناس في كافة قرى مصر لتحذو حذوها…وبالتالي نكون قد قدمنا العصا لمن خالف والجزرة لمن أجاد.
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى