أعمدةمقالات

الدكتور ظريف حسين | يكتب: الكرامـة و الخصوصية

 

الدكتور ظريف حسين
الدكتور ظريف حسين

ينفرد البشر دون سائر الكائنات بالشعور الفطري بالكرامة و الحرية و الخصوصية،و لذلك اخترعوا الملابس الداخلية دون غيرهم من الكائنات للاحتفاظ بخصوصيتهم أو بملكيتهم الخاصة لأجسادهم،و هم يتفقون علي ذلك منذ نشأة الإنسان علي الأرض باستثناء بعض القبائل الوحشية المنعزلة في مناطق من المحيط الهادي.

و تعد ظاهرة الحياء أبرز سمات الشخصية الإنسانية و هي أكبر دليل مادي علي الشعور الإنساني الفطري بالخصوصية،فهناك أشياء تستدعي الخجل منها،و هذه الأشياء منهاالطبيعي،أي ما يمس خصوصية الإنسان الجسدية،و هي أعظم أملاكه و مظهر مملكته،و أشياء أخري مكتسبة تعلمها الناس من الأديان و الأعراف و التقاليد الاجتماعية.

و أما الكرامة فتعني أن للإنسان قيمة في حد ذاته سواء أكان حيا أم ميتا، و أنه يجب عدم النظر إليه بوصفه وسيلة لشيء آخر، أو مجرد بضاعة.

و الخصوصية ثاني حق من حقوق الإنسان بعد حقه في الحياة،فلا يعطي الإنسان نفسه إلا لمن ارتضي و طبعا لشرائع أو قوانين.

و أما الحرية فتعني امتلاك القدرة علي التصرف الشخصي في جسدي و أفعاله و الحفاظ عليه و منعه من غيري،و تمتد لتشمل جميع أشكال الحرية المعروفة اجتماعيا و سياسيا.و لكن الأهم هنا هو أنه لا يمكن تصور الكرامة و لا الخصوصية إلا بوجود الحرية التي تحمينا من محاولات الآخرين الاستيلاء علينا أجسادا و أرواحا!

و قد شرعت القوانين و نزلت الشرائع لحماية هذه الثلاثية التي لا يمكن تفكيكها.و كان زوال الاسترقاق و تجارة البشر نهاية لكل المساعي الدنيئة لانتهاك الخصوصية،و بداية حضارة جديدة يقر فيها الإنسان لنفسه و لغيره بالكرامة.

و لا يمكن ان نتصور أن هناك داعيا واحدا لعودة الاسترقاق،برغم أن زوال جميع أشكال الاسترقاق غاية مستحيلة! ففي التجارة بالأعضاء البشرية،و استغلال البشر جنسيا و اقتصاديا شكال جديدة للاسترقاق.

و لكن يمكن لتحسن نظم التنمية في المجتمعات و القضاء علي المشكلات الاقتصادية…أن يساهم قطعا في التخفيف من المشكلة.

و ترمز الملابس الداخلية لحرص البشر علي إعطاء حصانة إضافية لمناطق معينة من أجسادهم متفق عليها، حتي لو زال الغطاء الخارجي للجسم لأي سبب.

و ذلك تعبيرا عن أنبل ما يمتاز به الإنسان:الكرامة و الحرية و الخصوصية،و لا يهم أن يتاجر بعض الناس بأجسادهم أو يتخلوا عن خصوصيتهم!

و برغم أن جميع قوانين الدنيا و شرائعها تجرم انتهاك الخصوصية فأنها تعد أكثر الحرمات عرضة للانتهاكاتو المفارقة العجيبة هي أن الناس يلهثون لانتهاك خصوصيات غيرهم،خصوصا أقرب الناس إليهم! في الوقت الذي يستميتون فيه لتحصين خصوصياتهم!

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى