الدكتور ظريف حسين | يكتب: النفاق بين الإنسان و الحيوان
زودت الطبيعة الكائنات الحية ببعض الآليات لتستعملها تحت الضغوط الشديدة التي يتعرض وجودها معها للفناء، و هذا يعني أن استعمالها يكون في حالات خاصة لأنها ليست الطبيعة الأصلية لهذه الكائنات، فمثلا الفيروسات و البكتريا لها قدرة علي التحور و تغيير شفرتها الوراثية لتتمكن من مواجهة الأخطار و يسمي هذا المصطلح بالتكيف، و نجد الأمر نفسه عند بعض الحيوانات مثل الحرباء التي تغير لونها بشكل مؤقت و بلا تعديل جوهري في تكوينها، لتهرب من الأعداء ، و المصطلح العلمي الدال علي هذه المقدرة هو المماتنة.
و نحن نجدها أظهر لدي الإنسان الذي يمتاز علي غيره من الكائنات بالعقل و الخيال و بأن له سريرة يستطيع بها أن يخدع الآخرين و ينافقهم، أي يظهر لهم بخلاف ما يبطن.
و لما كان الإنسان بصفة عامة يميل بطبيعته إلي التصديق أكثر من التكذيب – لأن التصديق يدعم توازنه النفسي أكثر من الشك و الهواجس – فإنه يظل عرضة للوقوع في حبائل المنافقين الأبرع منه في التمثيل و إخفاء مكنوناتهم .و في هذه الحالة تشتد قوة المنافق و تتضاعف لتمكنه من أن يدبر للضحية من جهة، و أن يعرف جيدا كيف تفكر و بالتالي يحبط خططها من جهة أخري .
و من هنا جاءت خطورة المنافق الذي يجعل نفاقه قاعدة لتسيير حياته ، و قد تأخذ شكلا يسميه البعض بـ «التقية»، التي كانت طريقة الشيعة في ممارسة الحياة السياسية في ظل سيطرة بني أمية في محاولة منهم للعمل لتدمير نظام خصومهم أملا في استعادة الخلافة المفقودة.
و الشيء الملفت هو أن المنافق لا يستحي من نفاقه بل يعتبره مهارة خاصة يمتاز بها من دون الآخرين أولئك الذين ينظر إليهم بكل ازدراء و استخفاف بوصفهم أغبياء اجتماعيا ، متغافلا عن حقيقة أنه يبيع نفسه ليكسب غيره!
و الأنكي من ذلك هو أن المنافق يصيب نجاحات في الحياة تمده بمزيد من الاعتقاد بامتيازه علي ضحاياه. و من المؤكد أن غير المنافقين – و هم أقلية – يحتقرون كل من يتوهم قدرته علي نفاقهم أو خداعهم .
و النتيجة هي: أن المنافقين لا يمكنهم أن يرتفعوا فوق مستوي أحذية غيرهم ، مهما صور لهم خيالهم المريض عكس ذلك.