مقالاتمقالات القراء

الدكتور عصام الصيفي | يكتب: رداً على مفتى تونس حول حقوق المرأة في الميراث

 

 

عصام الصيفيإذا أردنا أن نتكلم عن تكريم الإسلام للمرأة فإنه ينبغي علينا أولًا أن نذكر حال المرأة قبل الإسلام حتى يتضح لنا الفارق، فقد كانت المرأة قبل مجيء الإسلام مهانة ليس لها قيمة، وكان تنظر إليها بعضُ المجتمعات على أنها رجس من عمل الشيطان، وكانت عندهم كالمتاع تباع وتشترى، مسلوبة الإرادة، ليس لها حق الميراث وحق التصرف في المال، ولم يكن هناك حد لتعدد الزوجات، وإذا مات الرجل ورثه ابنه حتى في زوجته، ولم يكن للمرأة في الجاهلية حق على زوجها، وليس للطلاق عدد محدود ولا لتعدد الزوجات عدد معين، أما الإسلام فهو أول من وضع حدًّا للتعدد وجعله قاصرًا على أربع بينما كان التعدد مفتوحاً آنذاك ولا سقف له، وكانت المرأة في الجاهلية تُكره على الفاحشة أحيانًا طلباً للأجر المادي، وكان من مأكولاتهم ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكانت البنات يدفنَّ تحت التراب وهن أحياء خشية العار والفقر.

هذه نبذة مختصرة عن المرأة قبل الإسلام إلى أن أشرقت الأرض بنوره فلقيت المرأة كل التكريم والعناية والرعاية ونالت حقوقًا لم تكن لها يومًا من الأيام قبل مجيئه، فالإسلام أعلى من شأن المرأة وعظم مكانتها، وأكرمها غاية الإكرام بما لم تُكرَم به قبل ذلك، ولا أدل على ذلك من قول الحق سبحانه «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، وقوله جل جلاله «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ»، وقوله صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال، وخيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
إذا كانت هذه الرؤية هي الرؤية الإسلامية القائمة على الوسطية والاعتدال، فإن اكتمال مقومات هذه الرؤية مرهون بإزالة كل ما أثير حولها من الشبهات، ومن هذه الشبه شبهة الميراث: قال الله تعالى في كتابه «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ».
إن توريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًّا ولا قاعدة مطردة في توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث؛ فالقرآن لم يقل: يوصيكم الله في المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنما قال «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» أي إن هذا التمييز ليس قاعدة مطردة في كل حالات الميراث وإنما في حالات محدودة من حالات الإرث.
والحقيقة أن التمايز في الأنصبة بالنسبة للوارثين لا يرجع إلى معيار الذكورة أو الأنوثة وإنما هي مقاصد وحِكَمٌ إلهية تحكمها معايير ثلاثة:
أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرا أو أنثى وبين الموَرِّث فكلما اقتربت الصلة زاد نصيب الميراث وكلما ابتعدت الصلة قلّ النصيب دونما اعتبار لجنس الوارثين.

ثانيهما: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحَمُّل أعبائها عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات؛ فَبِنْتُ المتوفى ترث أكثر من أمِّه وكلتاهما أنثى بل وترث بنت المتوفى أكثر من أبيه حتى ولو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها، وحتى ولو كان الأب هو مصدر ثروة الابن والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور.

ثالثها: العبء المالي الذي توجبه الشريعة الإسلامية على الوارث وتأمره أن يقوم به تجاه الآخرين وهذا هو المعيار الذي يبين لنا أن الذكر مُكلَّف بإعالة أنثى هي زوجته مع أولادهما، بينما الأنثى الوارثة أخت الذكر يعولها رجلٌ آخر هي وأولادها، فهي مع هذا التقسيم الذي يراه البعض نقصًا لحقِّها بالنسبة لأخيها الذي ورث ضعف ميراثها أكثر حظًّا وامتيازًا منه في الميراث؛ فميراثها مع إعفائها من الإنفاق الواجب على زوجها هو ذمة مالية خالصة ومُدَّخرة لجبر ضعفها وتأمين حياتها، وتلك حكمة إلهية بالغة .
وإن القارئ لعلم المواريث بعين المتدبر البصير، يكشف عن حقيقة تُذهِلُ الكثيرين لأنه سيقول لنا: إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة تمامًا مثل الرجل، وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال، أي: إن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.
من خلال تلك المعايير السابقة التي تحكم من خلالها الشريعة الإسلامية مسألة الميراث نجد أنها لم تقف عند معيار الذكورة أو الأنوثة كما يظن الكثيرون من الذين لا يتدبرون القرآن أو الذين يفترون عليه بما يثيرونه من شبهات داحضة.

ولعل من المفيد تفصيل الحالات التي ترث فيها المرأة والتي أجملنا فيها القول سابقًا، نذكر منها ما يلي:

الحالة الأولى: أن ترث المرأة نصف الرجل، ولها أربع صور وهي:

إذا ورثت المتوفى ابنته مع ابنه، أو بنت ابنه مع ابن ابنه، أو أخته الشقيقة مع أخيه الشقيق، أو أخته لأبيه مع أخيه لأبيه.
الحالة الثانية: أن يكون نصيب المرأة مساويًا لنصيب الرجل، ولهذه الحالة صور متعددة:
منها: إذا توفي شخص وترك بنتا وأبا، فإن نصيب البنت هو نصف الميراث، بينما نصيب الأب هو: سدس الميراث مع باقي الميراث وهو في هذه الحالة السدسان (أي: ما مجموعه النصف الآخر من التركة) ففي هذه الحالة تأخذ بنت المتوفى مثل نصيب والد المتوفى.

ومنها: إذا توفي شخص وترك بنتا وابن ابن، فإن نصيب البنت هو نصف الميراث، وابن الابن هنا عصبة والعصبة يأخذ ما بقي من التركة إن بقي منها شيء، وباقي التركة في هذه الحالة هو النصف، وهكذا ترى هنا أن بنت المتوفى قد أخذت مثل نصيب ابن ابن المتوفى.

ومنها: إذا توفي شخص وترك بنتا وأخا واحدا، فإن نصيب البنت هو نصف الميراث، والأخ هنا عصبة، فسيأخذ باقي الميراث، والباقي في هذه الحالة هو النصف، وهكذا ترى هنا أن بنت المتوفى قد أخذت مثل نصيب أخي المتوفى.

الحالة الثالثة:أن يكون نصيب المرأة أكثر من نصيب الرجل، ولهذه الحالة صور متعددة أيضا:

منها: إذا توفي شخص وترك بنتا وعشرة إخوة، فإن نصيب البنت هو نصف الميراث، والإخوة العشرة هنا عصبة، فسيأخذون الباقي، أي إن العشرة سيشتركون في نصف الميراث، وهذا يعني أن بنت المتوفى وحدها ستأخذ نصف التركة، وكل واحد من الإخوة سيأخذ (1/20) من التركة، فلو فرضنا أن المتوفى ترك مائة جنيه، فستأخذ البنت وحدها خمسين جنيهًا، وسيأخذ كل واحد من الإخوة جنيهان ونصف.

ومنها: إذا توفي شخص وترك بنتين وثلاثة أعمام، فإن نصيب البنتين معا هو الثلثان من الميراث، والأعمام الثلاثة هنا عصبة، فسيأخذون الباقي، أي أن الأعمام الثلاثة سيشتركون في باقي الميراث، وهو الثلث وهذا يعني أن بنتي المتوفى وحدهما ستأخذان ثلثي التركة، وكل واحد من الأعمام سيأخذ (1/9) من التركة، فلو فرضنا أن المتوفى ترك تسعين جنيهًا، فستأخذ كل بنت ثلاثين جنيهًا، وسيأخذ كل واحد من الأعمام عشرة جنيهات.

الحالة الرابعة: أن ترث المرأة ولا يرث الرجل، ولهذه الحالة صور:

منها: إذا توفي شخص وترك بنتا وأختا شقيقة وأخا لأب، فإن البنت ستأخذ نصف الميراث، والأخت الشقيقة هنا عصبة مع البنت، فستأخذ الباقي، وكل من البنت والأخت الشقيقة معا سيحجبان الأخ لأب ولن يرث شيئا، بينما لو لم توجد الأخت الشقيقة ، فسيكون الأخ لأب عصبة وسيأخذ هو الباقي، وهذا يعني أن الأخت الشقيقة مع البنت حجبتا الأخ لأب.
وختاما أقول:

المرأة لا ترث نصف الرجل في كل الأحول كما يفهم البعض بل إنها قد تماثله أو تزيد عنه أو تحجبه حجب حرمان أو نقصان.
الحالات التي تكون فيها المرأة أقل من الرجل في الميراث غالبا ما تكون المرأة مسؤولة من غيرها ماديا وغالبا ما يكون إرثها زائدا عن حاجتها أو معينا لها على شؤون حياتها.

من يقف على بعض حكم الميراث في الإسلام يوقن أنه أعدل تشريع ينصف المرأة وما سواه مجحف وإن ادعى الإنصاف.

المقال من رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي 

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى