مقالات

الدكتور محمد رأفت| يكتب: أنا أغلى ما أملك

16105867 1510785732273835 5948112443304719212 n

الاحباط في مفهومه يعتبر شكل من اشكال رد الفعل
بل هو بصورة أوضح شكل من اشكال الاعتراض

– فاذا اخذنا طفل صغير كمثال يريد ويرغب بشده أن يشتري له ابوه لعبه بعينها و قد لمّح له الأب من قبل أنه سوف يشتريها له
فاذا جاء وقت الوفاء بالوعد ولم يحصُل الطفل على لعبته
نجد اوقتها تصدر من الطفل ردود افعال مختلفه بحسب نوع شخصيته ( وهذه نقطه في قمه الاهمية وسنعود اليها في المقاله)
فمنهم من يعبر عن نفسه او يعترض كما ذكرنا بالصراخ
او البكاء
او قد يكتفي بنظرة خيبه لوالده الذي وعده بتلك اللعبه ، وهنا في هذه الحاله كان اغلب رد الفعل داخليا وليس خارجيا على عكس ردود الافعال السابقه

وهذا هو مفهوم الإحباط او تعريفه في صورة قصة بسيطه
وهي أن يكون سقف توقعاتك أكبر من سقف الواقع (مع نوع الشخصية المناسبه لذلك يختلف لنا شكل الاعتراض ورد الفعل ) وأن يكون معظم رد فعلك داخليا
وهذا ما نسميه الاحباط
-يتضح لنا من ما سبق أن مكونات عملية الاحباط يتسبب فيها عنصرين الاول هو سقف التوقعات ( وهنا عندنا مشكله في مسألتين )
– الادراك والمفاهيم
والعنصر الثاني هو نوع الشخصية ( أو التحليل النفسي لها )
سنأخذ كل عنصر منهم ونحلله سويا لفهمه

– أولا مشكله سقف التوقعات
كما ذكرنا أن السبب وراء سقف التوقعات هو الادراك والمفاهيم

هنا سينقسم الينا الأمر الى جزئين ادراك الاشخاص وادراك الاشياء
نبدأ كلامنا عن ادراك الاشخاص
وهي الصورة الذهنية المرسومه لكل شخص في حياتنا نعرفه قد وضعناها لهم في عقولنا كل منهم في ملفه العقلي المخصص له
وهنا تحدث اكبر مسببات لعملية الاحباط عند الانسان
فكل انسان وضعت له صورة فالعقل قد تكون بنسبه كبيرة مخالفه للواقع
فمثلا
انسان نشأ على يد أب قاس وغليظ وعنيف في الاسلوب والمعامله
فاذا قابل انسان طيب ومعاملته لينه ، يجد نفسه يحبه ويتعلق به ، مهملا لكل سلبياته
فمثلا قد يكون ذلك الشخص بالفعل فيه كل تلك الصفات المخالفه لصفات ذلك الاب القاسي
لكنه مثلا انسان كذّاب !
فهنا نجد ان العقل يبدأ يدافع عن الصورة الجميله التي وضعها لهذا الشخص ويخرج لنفسه اعذارا وتبريرات له على انها موقفا عابرا وهو في اصله طيب صادق !!!!
غير مدركا لحجم المشكله الحقيقي
قيسوا على هذا المبدأ كم من صالح ممكن ان نظلمه بسبب وادراكنا وصورتنا الذهنية للأشخاص
وكم من ظالم قد نمكنه منّا ومن حياتنا
وهنا يبدأ الاحباط بالتسلل إلينا
– هذا بالنسبة للأشخاص ، ماذا اذن عن الأشياء

وفي حديثنا عن الاشياء سنقسم كلامنا لجزئين
الجزء الاول خاص الأماكن، والجزء الثاني الخاص بالمتعلقات الشخصية

في نفس حديثنا السابق عن الاحباط وانا من اكبر مسبباته هو رفع سقف التوقعات أكثر من سقف الواقع ، فمثلا هناك من يريد العمل في مكانا ما
وكان هذا المكان هو حلمه منذ الصغر ، ولكن شاء الله ان لا يكون له نصيب للعمل في هذا المكان !!
المشكله هنا مع كثرة التفكير في الامر يربط الشخص قيمته الذاتية وتقديره لنفسه بهذا المكان
فيصبح حصوله عليه هو بمثابه تحقيق للذات وعدم حصوله عليه تولد لديه أول بوادر للاحباط وتنشأ لديه في داخله احاسيس التدني بالذات
ولذلك في كل ما يخص المستقبل لا ترسم صورة مربوطه بمكان محدد ولا تتنازل عنها ، بل اجعل في نفسك وذاتك مرونه وتقبُل لشكل الحياة التي من اكبر صفاتها التغير المستمر
” فالغاية دائماً واحدع وثابته والأهداف قد تتبدل “

هذه ليست دعوة لعدم الطموح والتطلع بل على العكس تماما
اطمح لاعلى الدرجات كما قال النبي ( اذا سألت الله الجنة فاسألوه الفردوس الاعلى ) اي لا تطمح بالجنه وحسب بل اطمح لاعلى درجه فيها وهي الفردوس الأعلى
ولكن هي نوع من انواع التدريب على الصبر واختبار القدرة على التأقلم والتعايش

وان تأخذ بالاسباب كلها

– في الدراسات الاخيرة عن الشخصيات وانواعها فيما يخص التعلق بالماديات او المتعلقات الخاصة
وجدوا ان الناس نوعين في هذا الجزء
ويتأثر نوعك وقد تتغير للنوع الاخر بناء على حالتك المزاجية
النوع الاول : تعلقه بما يملك ضعيف وليس قويا ، ليس من باب الكرم ، بل لان هذه الشخصية تتمتع بما نسميه ( الانا الابوية ) وهي شخصية تحب العطاء بكل اشكاله ، دون التفكير في قيمته او احتياجها له ، وليس ابدا في حساباتها أن تأخذ بل هي تصل هذه الشخصية لمرحله انها تعرض ممتلكاتها على من تحب لتختار منها ما تحب

أما الشخصية الاخرى في مختلفه عنها تماما : وهي شخصية تعشق الامتلاك وتحب أن تحتفظ بكل شيئ يخصها او يخص غزيز أو غالي عليها
حتى أن حجراتهم او بيوتهم قد تتحول الى مخازن اكثر منها غرفاً ، هذا النوع من الصعب أن يفرط في اي شيئ يملكه حتى وان توقف عن استخدامه ، حتى وان اعتلاه الغبار ، حتى وان سبق له وان انكسر منه جزء
تعلقه بأدواته وأشيائه الخاصه تعلق قوي

وملحوظه مهمه : كلا من النوعين بداخلنا
فقد تكون مِن مَن يحبوا العطاء لكن تجد نفسك تحتفظ بشيئ او شيئين لنفسك ولا تريد التفريط فيهم
وقد تكون من النوع الثاني وتهدي اغلى ما تملك والذي لم تفكر ابدا ان تعطيه لاحد
لشخص غالي او عزيز عليك
لكن تصنف من النوع الاول أو النوع الثاني بحسب اي منهم يغلب عليك صفاته وممارسته
وان قُدر لك غير ما تتمنى فانت مستعد لما كتب لك

– الفكرة في النوع الثاني هو الاكثر عرضه للاصابه بالاحباط
فقد وضع جزءا كبيرا من مشاعرة فالاشياء التي تعلق بها ، فاذا اصاب اي منها امر
فمثلا أن يبحث عنها ولم يجدها ، او تنكسر او يصيبها اي عطل
تتأثر عندها حالته النفسية والمزاجية
فالنوع الثاني لا يعتبر متعلقاته هي مجرد اشياء احتفظ بها
بل هو يعتبرها رصيد حياته الذي كسبه في رحلته
والنوع الثاني هو في اصل تكويننا البشري وهو حب الامتلاك والنوع الاول هو النوع القليل
فنجد الصحابه يتحدثون عن رسول الله صل الله عليه وسلم ويقولون عنه ( كان يعطي عطاء من لا يخشى املاق ) اي من لا يخشى ان يفتقر
ويقول الله رب العالمين ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون))
الفكرة ان حب الامتلاك والاحتفاظ بالماديات هي من الطبيعه البشرية التي جبلنا عليها
ومنها ايضا ( الجدل ، والاستعجال ، والخوف ، وغيرها الكثير كما ذكرها الله في كتابه )
الفكرة ان كل ما جبلنا عليه هي صفات سلبية وهي السبب الحقيقي وراء #جهاد_النفس
فانت أخي / أختي الكرام
فانت تجاهد مجموعه من الصفات ترجع بك للوراء كما قال الله في سورة العصر ( والعصر ان الإنسان لفي خسر )
وهي الصفات التي وضعت فينا اذا تركناها تتحكم في انفسنا ستكون تطبيق لهذه الايه علينا
وكل صفه جبلنا عليها لو لم تقاوم سنصاب باضطراب او خلل
وفي حالتنا هذه من تعلق بالماديات ولم يوق شح نفسه
ستكون خسارته المعنوية كبيرة
واكبر وسيله للسمو بالروح والارتقاء تبدأ بعدم التعلق بالماديات
حتى وان كانت غالية علينا
فالعبرة ليست في الجماد ولكن العبرة فيما تركته فينا من شعور

– لذلك لا تجعل جمادا ذكرى لمن تحب او لموقف
فمصيرة قد يؤول للزوال ( فكل شيئ هالك الا وجهه )
ولكن ركز على ما لا يزول وهو ذلك الاثر الذي في القلب
ولا أقصد هنا أن تتخلص من متعلقاتك
لكن ما أقصده أعطي قيمه أكبر لما في داخلك
عندها فقط تكون قد نجوت واصبحت من اهل هذه الايه (( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون ))

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى