الشرقية توداي تكشف سماسرة رخص القيادة وعصابات الرشوة بمرور الشرقية

تحقيق | محمد علي

عندما تكون رخصة القيادة أداة للقتل لا بدَّ أن نتساءل، وعندما تتحول إجراءات استخراج رخصة قيادة من إجراءات قانونية إلى تجارة بالأرواح، لا بدَّ أن نوفر للعقل مساحة من التفكير في هذا الأمر.

كثيرا ما سمعنا قصص وأقاويل تجسد الطريقة التي يتم بها استخراج رخصة القيادة، وفي حقيقة الأمر كنا نكذب هذه الروايات، ولكن بعد أن أصبحت تلك الروايات أقرب إلى الواقع، قررنا استقصائها عن قرب، ذلك لإثبات مدى صحتها أو نفيها، من خلال هذا التحقيق الذي وضعناه أمام أعينكم، لكشف الحقائق التي حصلنا عليها على مدار ثلاثين يوم من العمل في هذا التحقيق.

13 ألف حالة وفاة، و60 ألف مصاب، و30 مليار جنيه سنويًا

في بيان صادر عن رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم، أظهر البيان، أن «مصر» تنفق كل عام أكثر من 30 مليار جنيه سنويًا بسبب حوادث الطرق وأن النسبة الأكبر من الحوادث تقع في البلدان الفقيرة، ومن بينها مصر، حيث حوادث الطرق تسفر عن مقتل 13 ألف مواطن، وإصابة نحو 60 ألف شخص سنويًا، علاوة على أن 80% من هذه الحوادث السبب فيها هو العامل البشري، ولمحافظة الشرقية نصيب كبير من هذه الحوادث، وطبقًا للأبحاث، تحتل مصر المركز الأول في عدد ضحايا حوادث الطرق، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية على مستوى الشرق الأوسط، بما يقارب 13 ألف قتيل، و60 ألف مصاب سنويًا، متصدرة قائمة الدول الأسوء عالميا في حوادث الطرق بمعدل وفيات مرتفع جدًا، ووفقا لبيانات البنك المركزي، فإن شركات التأمين، قامت بسداد 5.5 مليار جنيه خلال الثلاث سنوات الماضية تعويضات عن حوادث السيارات في مصر.

طبقًا للإحصائيات، هناك ارتفاع ملحوظ في حوادث الطرق، إذ بلغت 15 ألف و578 حادثة نتج عنها 6716 قتيلا و22411 مصابا، بعد أن كانت 15 ألفا و516 حادثة تسببت في 6424 قتيلا و21608 وأوضح تقرير الجهاز المركزي، أن 50% من قتلى حوادث الطرق من الشباب، مضيفا أن العامل البشري هو أكبر أسباب حوداث الطرق، يليه الحالة الفنية للسيارة.

أما عن الخسائر الاقتصادية، فقد أشارت النشرة السنوية للجهاز المركزي للتبعية العامة والإحصاء، أن الاقتصاد المصري يتكبد خسائر نحو 17 مليار جنيه سنويا جراء حوادث الطرق .
بعد كل هذه الأرقام التي لا بدَّ أن يفزع لها أى مواطن قررنا أن نجري هذا الاستقصاء بالإدارة العامة لمرور الزقازيق، التي تعد ثالث أكبر إدارة مرورية على مستوى المحافظة.

كانت البداية مع بعض الآراء للسائقين الذين يتعرضون إلى هذه الإجراءات، وفي إحدى مواقف مدينة الزقازيق كان يجلس سائقًا بجوار سيارته في إنتظار أن يأتى دوره فتحدثنا معه عن أسباب الحوادث المتكررة بشكل يومي، وعن صحة والأرقام المفزعة التي طرحة في المقدمة، فقال: لآن أكثر من 70% من الذين يقودون سيارات على الطرق السريعة غير مؤهلين للقيادة ولا يعلمون قوانينها، فسألناه هل هؤلاء الذين تقصدهم يمتلكون رخصة قيادة؟ فقال معهم رخصة قيادة (بس مطلعنها بالرشوة ) وأضاف أن كل سائقى هذا الموقف يستخرجون رخصهم ويجددوها بدفع الآكرامية «الرشوة » ووجهنا نفس السؤال إلى أكثر من سائق فكانت أغلب الإجابات هي أن الكثير من ما يحصلون على رخصة قيادة يجهلون علامات السلامة وغير مؤهليين للقيادة .

ولكي تكتمل الحقيقة كان لنا حوار مع أحد السائقين يدعا «كامل » يبلغ من العمر 36 سنة، وبعد أن أقنعناه أن الهدف من هذا التحقيق هو كشف الفساد، من أجل الحفاظ على أرواح الأبرياء، سرد علينا تجربته الواقعية في أثناء إستخرج رخصة القيادة، حيث قال أنه بدأ قيادة السيارة وهو في الخامسة عشرة من عمره، ولكنه لم يفكر في إستخراج رخصة إلا بعد فترة كبيرة، بعد أن قرر القيادة خارج المدينة، وخوف من التعرض إلى نقاط التفتيش بالطرق السريعة .

وأضاف: تقدمت للاختبار أكثر من ثلاث مرات وفي كل مرة النتيجة تكون «راسب» أو غير مؤهل للقيادة، برغم انه كان الأفضل في القيادة بين زملائه، فعلم بعد ذلك أنه لا بدَّ أن يدفع «الإكرامية» حتى يحصل على رخصته، وقام بالفعل يوم الاختبار بدفع الرشوة إلى أحد أمناء الشرطة ليستلم بعدها رخصته بعد عناء، والرسوب ثلاث مرات، ولكن مع الإكرامية لا يوجد متاعب .

وبعد أن أستمعنا إلى التجارب الواقعية للسائقين،قررنا خوض التجربة عمليًا لنتأكد من صحة ما قاله هؤلاء فذهبنا في محاولة لاستخراج رخصة قيادة دون الخضوع إلى أى إختبارات، كنا قد علمنا من قبل أن هناك سماسرة من المفترض أن نتعامل معاها وهم يتعاملوا مع المسئولين لاستخراج الرخصة فكان من الصعب في اليوم الأول ملقاة أحد السماسرة بسهولة ولكن لاحظنا وجود كفاتيريا أمام إدارة مرور الزقازيق فجلسنا بها لنشاهد عن قرب ما قيل لنا، وبعد دقيقة من الجلوس على الكرسي، سألنا عامل الكافتيريا إذا كنا نريد تناول مشروب، فطلبنا شاي، وجلسنا كى نراقب الموقف وأعيننا تبحث عن السماسرة.

وبعد 15 دقيقة تقريبًا من الأنتظار لاحظنا أن صاحب تلك الكافيتريا يرشد الناس وينظم لهم أورقاهم ويطلب منهم أوراق وكأنه هو مدير إدارة المرور فذهبنا إليه لدفع حساب الشاي وسألناه إذا كان يستطيع أن يساعدنا في إستخراج رخصة قيادة فكان رده  ( من عنيا يا باشا )  وطلب من أحد صبيانه أن يذهب ويحضر شخص يدعى  «على مرور  » وجاء هذا الشخص فقال له صاحب الكافيتريا هذا الشاب من أحد معارفي وأريد أستخرج رخصة قيادة فسألني وقال (رخصة خاصة صح) فكانت إجابتي نعم، ليبدأ بعدها الحديث بيني وبين «على مرور»، وسألته عن الأوراق المطلوبة فقال بص يا بيه هتجيب، أربعة صور شخصية، وشهادة باطنة ونظر (ولو مش عايز الباطنة هنزود 50 جنيه)

وبعدها طلبنا منه أن يقول لنا ما الذي سيتم بالتحديد فقال أعطنى أربعة صور ومبلغ 1350 جنيه وبعد 20 يوم تأتى للتصوير واستلام الرخصة بعد أختبار القيادة طبعًا فقلت له أننى ليس لدى أى فكرة عن القيادة من الأساس فضحك وقال هذا إجراء روتينى لا تقلق فأكدت له كلامي مره أخرى أنا لا استطيع القيادة فقال (يبقى هاخد 1450) وقال أعطنى الصور والمبلغ، وبعد 20 يوم تأتي تستلم الرخصة، فقولت له أنا قلق منك وأريد شيء يضمن لي الفلوس، فقال (شايف الراجل ده) مشيرً إلى أمين شرطة كان يشرب فنجان قهوة، قلت له نعم، قال هذا هو المسئول عن كل شيء وأنا مجرد وسيط هو رجل شرطة ويعمل بالإدارة فوافقناه وطلبنا منه أن يعطينا رقمه الخاص لكى نتواصل معه بعد تحضير المبلغ المطلوب.

 
وبعد عدة أيام ذهبنا له ومعنا أحد الأصدقاء يريد استخراج رخصة بهذه الطريقة فسألنى متعجبًا! نحن اتفقنا أنك أنت الذي تريد إستخراج الرخصة ثم قال لنا (مش فارقة المهم الفلوس والورق يكون جاهز) فأعطيناه كل شيء وبعد فترة لا تزيد عن عشرون يومًا اتصل وبصديقي وقال له أن تحضر غدًا لاستلام الرخصة، فذهبنا بالفعل لاستلامها ونحن لانصدق ما حدث، كيف يتم إستخراج رخصة قيادة بهذه الطريقة.

 
كشفت لنا هذه المحاولة أن أهناك أستهتار أو فساد جسيم يحدث أسفل سقف إدارة مرور الشرقية وبمباركة كبار المسئولين بوزارة الداخلية، والآن نريد الإجابة من قبل وزير الداخلية على تلك التساؤلات، هل من السهل أختراق القوانين إلى هذه الدرجة؟ الرقابة غائبة إلى هذا الحد؟ أين أصحاب الضمير؟ هل حقًا لا يوجد داخل إدارة المرور كلها شخص واحد فقط يقول لهم لا ولن أقبل الرشوة.

 
إلى متى سيظل الأبرياء يدفعون حياتهم ثمنًا لهؤلاء المرتشين، إلى متى ستظل الرقابة غائبة والقوانين معلقة بين قيد التنفيذ، وعصابات الرشوة، والنتيجة هي قتل العديد من الآرواح مقابل 1350 جنيه المسئولية هنا تقع على الجميع فيجب سن القوانين الرادعة لهؤلاء .

 
إذا كنت ترد إستخرج رخصة قيادة من إدارة مرور الشرقية بهذه الطريقة، فأنت وبكل أسف مشارك في تلك الجريمة التي تسبب في العشرات من الضحايا يوميًا بسبب الفساد، وإليكم بعض العناوين الإخبارية التى تم نشرها بقسم الحوادث بموقع الشرقية توداي خلال 15 يوم، والتي كانت حصيلتها وفاة 9 أشخاص، وإصابة 75 شخص وهذا ما تم نشره فقط، حيث بالتأكيد يوجد العديد من الحوادث لم تصل إلى الصحافة، إليكم جانب من العناوين.
مصرع شخص وإصابة 11 في حادث تصادم بالعاشر من رمضان
بالفيديو. مصرع موظف تحت عجلات سيارة نقل بأبو كبير
إصابة 10أشخاص بحادث تصادم سيارتين بطريق العاشر القاهرة

مصرع ربة منزل في حادث على طريق «البيروم- الفدادنة» بفاقوس

إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بأولاد صقر
مصرع 3 وإصابة 10 في انقلاب سيارة ببلبيس

مصرع شاب في حادث سير بأبو كبير

مصرع شخص وإصابة 19 في حادثين ببلبيس والعاشر
وفاة شخص في انقلاب سيارة بفاقوس
إصابة 10 أشخاص في حادث بالصالحية الجديدة
إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة بطريق بلبيس

 
وبعد هذا الإحصاء الذي أثبت بالأرقام مقتل 9 أشخاص، وإصابة 75 شخص خلال 15 يوم فقط بمحافظة الشرقية، والمعلن أن هذه الأعداد من الوفيات والمصابين، يتكرر نشرها على صفحات الموقع بنسب متقاربة كل شهر، وذلك بفضل عصابات الإكرامية المرابطة بإدارة مرور الشرقية، هل سيكون للوافد الجديد على المنظومة الأمنية بالشرقية اللواء «رضا طبلية» مدير أمن الشرقية، ومعه مدير إدارة مرور الشرقية، وقفة والبدء في فتح التحقيق لتطهير إدارة المرور من هؤلاء، ذلك للحفاظ على أرواح الأبرياء، أم سنكتفي جميعًا بمشاهدة فيلم هيا فوضى؟

هذا تسجيل لنص الحوار الذي دار بين محرر الشرقية توداي وسمسار رخص القيادة بمرور الشرقية 

تابع الشرقية توداي على جوجل نيوز