تقارير و تحقيقاتسلايد

الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (7)

 

تحقيق | محمد علي

التسول لا يقوم على أشخاص بمفردهم ولكنها ظاهرة منظمة جدا ولها قادتها وزعمائها الذين يديرون مئات المتسولين ويتابعون الاماكن التى يتسولون فيها ويراقبون حركتهم ولكل عصابة المنطقة الخاصة بها وتكون محرمة على اى فرد آخر يأتى للتسول ، هذا ما إكتشفناه بعد تحقيق صحفى حول ظاهرة التسول بشوارع الزقازيق .

عندما أصبح التسول مهنة تحصد ملاين الجنيهات ، أو ترى سيدة تبكى من أجل علاج إبنها لأن زوجها متوفى ، أو تشاهد رجل عجوز بلغ السبعين من العمر ينام على الرصيف ويستعطف المارة .

كل هذا أهون من طفل يبكى أمامك من شدة الجوع وقسوة البرد كى يصبح التسول مهنتهم التى لا يعرفون غيرها
فوفقاً للدراسات الحديثة الصادرة عن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أن جمهورية مصر العربية بها 12000 متسول كان للأطفال النصيب الاكبر ب 8000 متسول تتراوح أعمارهم من سنة حتى 14عام ، وقد أثبتت الدراسة بأن 4% من المتسولين يتم إجبارهم على التسول بغير رغبة منهم ، وفى مدينة الزقازيق فقط بها اكثر من 700 متسول يحتل الاطفال النصيب الاكبر منهم ، هؤلاء الاطفال يتم تأجيرهم من عائلاتهم وأحياناً خطفهم من محافظات اخرى .

تجارة تدر ذهباً

محرر الشرقية توداى قام برصد الظاهرة على أرض الواقع ، ليكشف تفاصيل عن التسول داخل عاصمة الشرقية ، وإلتقى بأربعة أطفال يظهر عليهم ضعف البنيان وإتساخ ملابسهم ، يدعون بأن أسمائهم ” محمد ومريم وطلعت ومحمود “، دائماً يرددون ( هات جنيه ) ويتكرر السؤال كثيراً إلى أن تتأكد بأن الأمر ليس إحتياج بل مهنة لها إسلوب محدد .

محرر الشرقية توداى قرر التواجد مع هؤلاء الاطفال لفترة ، و يوماً بعد يوم يكتشف أنهم يعرفون أسماء كل المتسولين فى الشوارع وخصوصاً الاطفال ويعرفون ايضاً اسمائهم المستعارة .

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (2)

 

يقول ( طلعت ) وهو طفل أشقر لا يعرف عمره تحديداً ويبدو أنه فى العاشرة ” أنا الرئيس على مجموعة من الاطفال ” وبرغم ضعف بنيانه وأنه أصغر من أقرانه ” محمد و محمود” ولكن جميعهم يسمعون كلامهم ويخشونه كثيراً وحينما سألنا عن السبب قال ” هما عارفين انا ممكن أعمل ايه .

أوقات عمل محددة ، ونسبة ثابتة من الاموال

سألناهم إحدى الأيام عن زميل آخر له إعتاد المحرر على رؤيته ، وبالسؤال عن غياب الطفل الآخر ، أجابوا ” بيسرح فى ميدان القومية ” وعند السؤال عن سبب راحتهم فى ظل تركهم له يعمل بمفرده ، أجابوا ” أنه عمل منذ الصباح حتى الان وكانت الساعه 2 ظهراً وحصد 40 جنيهاً فقط ونحن حصدنا 50، لنكتشف حينها بأن المسئول عنهم يضع لهم حد أدنى كل فترة تسول أو كل وردية 50 جنيه ، ولهم فترتان او ثلاث فترات يومياً فى أماكن مختلفة وهذا لم يطبق على هؤلاء فقط بل على كل الأطفال المتسولين فى الزقازيق ، فيجب أن يحقق كل طفل 50 جنيه فى الفترة و150 جنية فى اليوم الواحد ، فيحصد المسئول عن تسولهم أكثر من 70 الف جنية يومياً على أقل تقدير إذا كانوا أقل من 500 طفل ويجنى فى الشهر اكثر من 2 مليون ومئة الف جنيه شهرياً فى وضع إدارى أشبه بعصابات المافيا .

 

نقطة تحول

فى آخر يوم لمحرر الشرقية توداى مع هؤلاء الأطفال ، جلس مع الذين إعتادوا أخذ المال منه مقابل التحدث معه ، أو كما قال أحدهم ” وقتنا بفلوس يا أفندى ” ، وخلال إعادة ترتيب المال وجد أحدهم ” محمد ” أنه فقد حوالى عشرين جنيهاً ، لاحظ المحرر بأن الطفل قد يفتعل هذا كى يطلب المال ، ولكن الامر إزداد سوء حينما أجهش أكثر بالبكاء ليقوم بضرب طفلة أخرى ، ويأخذ منها 20 جنيهاً عنوة ، لتصرخ الطفلة مريم ، وعند السؤال عن سر الفزع الشديد من ذلك ، أجاب أحد الأطفال يدعى ” طلعت” بصوت مرتفع ” هتتحرق وهتموت ضرب أمال إنت فاكرها بتعيط ليه خلاص العصر أذن ، هنمشى دلوقتى ” .

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (1)

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (8)

 

من هذا الموقف وبعد إكتشاف عدة حقائق ، قرر محرر الشرقية توداى تغيير مسار التحقيق ، ليتوغل فى هذا العالم كمحاولة للتواجد مع المتسولين ، قررنا التواصل مع أحد زعماء وأباطرة المتسولين بالمدينة ، ولم يجد المحرر طريقة يصل بها سوى فكرة تتمثل فى مغامرة صحفية ، المحرر سيخترق عالم المتسولين عبر إدعاء وتمثيل بأنه أحدهم ، وإختار المكان “منطقة القومية بالزقازيق ” .
متسول جديد فى شوارع الزقازيق

فى أول يوم للمحرر كمتسول فى شوارع الزقازيق حافى القدمين وبملابس بالية ، مرت أول ساعة ولم يتعرض له أحد ولم ينجح فى جنى أى أموال ، لآن سن الشباب فى قانون التسول هو سن اليأس ، حمل المحرر المناديل وحاول جذب تعاطف المارة ، وبعد مرور ساعتين إستطاع حصد 12 جنيه ، لم يكن المقصد هو جنى المال بل إنتظار قدوم أحد ” المشرفين على الأطفال المتسولين وهو ما نسعى له لكشف شبكات المتسولين ، وبعد اكثر من ثلاث ساعات ونصف ، جاء أخيراً شخص نحيف وأسمر نحو المحرر ويبدو عليه علامات الغضب ، وضع يده حول رقبة المحرر وأخذه جانباً عنوة ودار بينهم هذا الحوار :-

الشخص المجهول : انت منين يلا ؟
المحرر : من طنطا
هو : ايه اللى جابك هنا ؟
المحرر : جاى آكل عيش
فدفع المحرر بقوة وقال له : ماشوفكش هنا تانى اركب القطر وارجع بلدكوا
المحرر :- بس أنا هنا من فترة
هو :- المنطقة دى سيطرتى ، إمشى بدل ما تتأذى يا ( …. )

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (3)

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (6)

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (5)

 

 

 

دور مسئولى المحافظة

فى عهد المحافظ السابق الدكتور رضا عبد السلام تم إقتراح مشروع لمكافحة التسول على المجلس التنفيذى للمحافظة بالتنسيق مع مديرية الأمن، وذلك بعد شكاوى المواطنين من انتشار ظاهرة التسول فى الشوارع ، وقال بأن هناك عصابات تستخدم الأطفال والسيدات المسنات في عملية التسول، وأنه رأى بنفسه ذلك على كباري المحافظة وفي الشوارع ازدياد الظاهرة .
وأضاف وقتها فى تصريحات صحفية بأن هذه الظاهرة تعد تجارة بالدين والمحتاجين حقاً لا تجدهم فى الشوارع ، وقد اصدر تعليمات بضبط المتسولين فى الشارع .

ضعف قانون مكافحة التسول
بدراسة القوانين التى توجه بمكافحة ظاهرة التسول ، أظهرت عدة مواد قوانين مدى عدم ملائمة الصياغة الحالية بمدى تصاعد وإزدياد تلك الظاهرة ، من تلك المواد :-

القانون رقم 49 لسنة 1933

مادة 1
يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أم أنثى يبلغ عمره خمسة عشرة سنة أو أكثر وجد متسولا في الطريق العام أو المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أى شئ
( ملحوظة :- رفع القانون 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث السن إلى ثمانيةعشرة سنة وبالتالي يسرى القانون المذكور على كل من وجد متسولا ولم يبلغ ثمانية عشرة سنة كاملة )

مادة 2
يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا كل شخص غير صحيح البنية وجد في الظروف المبنية في المادة السابقة متسولا في مدينة أو قرية لها ملاجئ وكان التحاقه بها ممكنا

مادة 3
يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور كالمتسول في الظروف المبينة في المادة الأولى يتصنع الإصابة بجروح أو عاهات أو يستعمل لأية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور

مادة 4
يعاقب بالعقوبة المبينة فى المادة السابقة كل شخص يدخل بدون إذن فى منزل أو محل ملحق به بغرض التسول

مادة 5
يعاقب بنفس العقوبة كل متسول وجدت معه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش ولا يستطيع إثبات مصدرها

مادة 6
يعاقب بنفس العقوبة :
1 – كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة على التسول
2 – كل من استخدم صغيرا في هذه السن أو سهل لأخر بغرض التسول وإذا كان المتهم وليا أو وصيا على الصغير أو مكلفا بملاحظته تكون العقوبة بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور
يلاحظ تعديل السن بالقانون 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث

مادة 7
في حالة العودة تكون عقوبة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون الحبس مدة لا تجاوز سنة

مادة 8
في جميع الأحوال التي يحكم فيها على المتسول غير صحيح البنية فبإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون يأمر القاضي بإدخاله في الملجأ بعد تنفيذ العقوبة .

دور المجلس القومى للطفولة والامومة

أكدت الدكتورة هالة أبوعلى الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة،
ان المجلس يواجة صعبات فى الوقت الحالى ولكن يجب الخروج منها وتابعت ” نحلم بغد افضل لأطفالنا وهذا يحتاج منا جهد كبيرا ومن اهم هذه الخطوات تفعيل منظومة حماية الطفل وهذا مانسعى فى انجازه ويجب تفعيل اليات الحماية وتطوير معلومات الطفل وتفعيل التشريعات وتطويرها واعداد برنامج قومى للتربية الايجابية للاطفال حيث ان المجلس القومى للطفولة يعمل على حماية الطفل من منطلقين الاول ” حق الطفل فى الرعاية والحماية والثانى حق الام واعداد برامج لها لحماية الطفل ” .

وأكدت أن المجلس القومى للأمومة والطفولة يواجه العديد من المشكلات فى الوقت الحاضر وأهمها التسول والاتجار بالاطفال والهجرة غير الشرعية واطفال بلا مأوى وذوى الاعاقة ومشكلات إدمان وتعاطى المخدرات .

والآن نقف أمام قضية يجب على الدولة ان تكافحها بكل الطرق والاساليب الممكنة وان تكون هناك قوانين صارمة ، المهمة على عاتق وزارة التضامن الاجتماعى للعمل على الحد من هذه الظاهرة ، وعلى مديرية الامن ان تكثف حملاتها لضبط الوضع بشوارع المدينة ، قبل أن يصبح هؤلاء الأطفال قنابل موقوتة تهدد الأمن والمجتمع مستقبلاً .

88الشرقية توداي تخترق مافيا تسول الأطفال في الزقازيق..تحقيق إستقصائي يرصد الظاهرة بشوارع العاصمة (4)

 

 

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى