أخبار العالم

الطريق إلى حل أزمة الكهرباء يبدأ بـ”عداد ذكي”

2_20148185824

لعقود من الزمن، زاد الطلب على الكهرباء في مصر، تلك الزيادة؛ لم تُعادل التحديث الحاصل في إنشاء محطات القوي الكهربية، الأمر الذي أدي إلى انعدام التوازن بين القُدرات المولدة والمستهلكة، مما تسبب في انقطاع خدمات الكهرباء عن الكثير والكثير من المشتركين.

ووسط الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، انبثق عدد من الحلول، بعضها يتمثل في الشروع في بناء محطات توليد قدرات كهربية بُخارية جديدة بالتوازي مع بناء محطات طاقات متجددة، فيما تطالب مجمل الآراء بترشيد الاستهلاك لحين توافر الاستثمارات اللازمة لبناء تلك المحطات، وخصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، مع العمل على تحويل شبكة الكهرباء المصرية إلى شبكة ”ذكية” تدعم عمليات المراقبة والتوقع والعزل.

قبل سنوات، وتحديدًا عام 2012، استعان قطاع الكهرباء المصري بخبير دولي لوضع بنية أساسية لـ”شبكة ذكية”، وفي نهاية العام، حسب المهندس حافظ سلماوي رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، تم الانتهاء من الدراسة التي أوصت بالبدء في تنفيذ خطة طموحة تهدف إلى تركيب عدادات ذكية كخطوة أولى للبدء في تنفيذ مشروع الشبكات الذكية.

تعتبر العدادات الذكية اللبنة الأساسية لإنشاء شبكة ذكية ذات موثوقية عالية، حيث تستخدم تلك الأجهزة آليات رقمية تقوم بتسجيل الاستهلاك كل فترة زمنية معينة، وتعتمد تلك العدادات على وسائل أتصال ثنائية الاتجاه بإمكانها إرسال البيانات إلى مزودي الخدمة ومُتلقيها، وبالتالي تسمح للمستهلك بمعرفة استهلاكه الآني ومعرفة القُدرات المتاحة له، وهو الأمر الذي سيساهم بشكل كبير في الحد من الاستهلاك، على حد قول الدكتور حفظي زايد الخبير فى الطاقات، والذي يؤكد أن العدادات الذكية ستساهم في خفض استهلاك القطاعات المنزلية والصناعية بمقدار من 10 إلى 20 % وهو ما قد يُغطي الفجوة الحالية بين الإنتاج والاستهلاك والتي تمثل عجزا يُقدر بنحو 2.5 جيجاوات ” حوالي 8% من إجمالي الطاقة المُنتجة”.

السيطرة على استهلاك الأجهزة في المنازل وتوفير الطاقة وخفض التكاليف وزيادة الموثوقية والشفافية، إحدى مزايا الشبكات الذكية المُرتبط إنشائها بالشروع في تركيب العدادات الذكية، حسب دراسة أعدها الدكتور محمد اليماني مستشار أول نظم المعلومات بوزارة الكهرباء المصرية والتي جاء فيها أن الشبكة الكهربائية الذكية تُمثل ارتقاءً لشبكة الكهرباء المصرية، وتعبر عموما عن مدى تحكم مولدات الكهرباء المركزية القليلة في عدد كبير من المستخدمين، كي تكون قادرة على توجيه السيطرة على طرق أكثر مثالية لتحديد الخطأ، وعلاوة على ذلك، تستخدم الطاقة الكهربائية في تغطية وقت الاستهلاك الذروة. ولذلك، حسب الدراسة، فإنه يتم تشجيع هذه الشبكة الكهربائية من قبل العديد من الحكومات باعتبارها وسيلة لتحقيق الاعتمادية والمرونة في مجال الطاقة الكهربائية.

ويؤكد ”اليماني” في دراسته إن تطبيق هذه التقنية على أرض الواقع يتطلب تعديلات واسعة على البنية التحتية للشبكة التقليدية، والتي لطالما كانت مهمتها منذ اختراعها أواخر القرن التاسع عشر نقل الكهرباء باتجاه المستهلك من دون الأخذ بعين الاعتبار أي تفاعلية مع الذي يحصل على الناحية الأخرى عند المستهلك أو محطات التحويل لذلك يطلق على أسلوب عمل الشبكة الذكية بأنه ثنائي الاتجاه، وهو الأمر الذي يعني ضرورة توفير عدادات ذكية للمستهلكين.

”الحق في الاختيار” جملة يبدأ بها المُهندس حافظ سلماوي، رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، حديثه مع ”مصراوي”، مشيرًا إلى أن تطبيقات العدادات الذكية ”غير محدودة”، فعن طريقها؛ يمكن للمستخدم اختيار نمط الاستهلاك بالتوازي مع القدرات المُتاحة له، فحين حدوث عجز بالشبكة، يتم إبلاغ المستهلك عن طريق العداد بكميات الكهرباء المُتاحة له ”وقتها يستطيع اختيار نوعية الأجهزة التي يُريد استخدامها” يقول سلماوي، مؤكدًا أن دولة ”إيطاليا” تمكنت في ثلاث سنوات فقط من تخفيض العجز الكلي في الكهرباء بنسبة كبيرة بسبب العدادات الذكية التي يبلغ عددها في الوقت الحالي هناك حوالي 33 مليون عداد ذكي.

كيف ستستفيد دولة نامية، كمصر، من تحويل الشبكات الكهربائية القديمة إلى شبكات ذكية؟ سؤال يُجيب عنه الدكتور ”مسعود أمين” أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوب بجامعة مينيسوتا بقوله: تُحقق الشبكات الذكية العديد من الأهداف؛ أولها هو قدرة مُشغلي ومزودي الخدمة على توقع المُشكلات المُحتملة والعمل على حلها في وقت قصير، كما تُزيد قدرتهم على مراقبة الكميات الكهربائية وحالة المكونات الرئيسية للشبكة، وتُقدم العديد من الحلول للأعطال التي يُمكن أن تُصيب الشبكات والمحطات، بالإضافة إلى امكانيتها العالية لإدارة الأحمال واستغلال المُولد منها بأقصى ما يمكن، مشيرًا إلى أن تلك الشبكات يستطيع إصلاح نفسها ذاتيًا، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل زمن انقطاعات التيار الأمر الذي ينجم عنه رفع كفاءة الشبكة وبالتالي زيادة الاقتصاديات المُعتمدة على استثمارات الطاقة.

يبلغ عدد المشتركين في خدمات الكهرباء المصرية نحو 30 مليون مشترك، حسب رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، الذي يؤكد أن تركيبات العدادات الذكية سيبدأ بكبار المستهلكين المتمثلين فى الشريحتين العُليا والذين يبلغ عددهم نحو 750 ألف مشترك ”، مشيرًا إلى أن أولئك المشتركين يستهلكون نحو 66% من كهرباء مصر، بعدها يبدأ التدرج في تركيب العدادات الذكية لتصل إلى الشريحتين الخامسة والسادسة، وعن سبب البدء بالشريحة الأولي يقول ”سلماوي”: العائد سيصبح أكبر، فالاستثمار المدفوع في تركيب العدادات لتلك الشريحة سيعود خلال 4 سنوات على الأكثر.

يتراوح سعر العداد الذكي ما بين 80 إلى 100 دولار ”حوالي 710 جنيه مصري” بالإضافة إلى 30 دولار للبرامج المُلحقة به وتكاليف التركيب ”حوالي 215 جنيه مصري” وبذلك تصبح التكلفة الكلية نحو 925 جنيه مصري للمستهلك الواحد، وهو ما يعني أن قيمة الاستثمار للشريحة الأولى فقط تبلغ حوالي 693 مليون جنيه، ويشير ”سلماوي” إلى أن جهاز تنظيم مرفق الكهرباء اقترح على الوزارة تنفيذ المشروع عن طريق ”طرف ثالث” يقوم بتقديم خدمات القراءة وضخ الاستثمارات مقابل الحصول على عوائد بعد اكتمال مشروع تركيب العدادات وهو ما سيؤدي حسب سلماوي، إلى خفض قيمة الاستثمارات الحكومية في شبكة الكهرباء، ويقوم ذلك العداد بالعديد من المهام؛ منها القدرة على تخفيض الاستهلاك دون انقطاع التيار وهو ما يعنى عدم قطع التيار إلا نادرًا عن المشتركين أصحاب العدادات الذكية، علاوة على إمكانية القراءة عن بعد الأمر مما سيوفر نحو 1.5 % من العجز الناجم عن القراءات الخاطئة بالإضافة إلى إمكانية إرسال وسداد الفواتير إلكترونيا ودراسة تطبيق تعريفات متطورة، مما يؤدى لرفع كفاءة الخدمات المُقدمة للمستهلكين.. البعد الاجتماعي، أحد الأمور التي يؤكد ”سلماوي” أنها ستكون مُتزامنة مع تركيب العدادات الذكية، فبعض المشتركين يرفضون دفع فواتير الكهرباء، وعن طريق العداد الذكي، ستتمكن الهيئة من تخفيض القدرات على العملاء بدلاً من قطع القُدرة، وبذلك؛ تكون العدادات الذكية أكثر تلبية للمسئولية الإجتماعبة التي ينتجها قطاع الكهرباء الذي يعتبر أن الكهرباء ”حق من حقوق المستهلك ويجب عدم قطعها عنه إلا للضرورة”.

يؤكد الدكتور محمد حسن، أستاذ الطاقات المُتجددة بكلية الهندسة جامعة حلوان، أن البدء في تركيب العدادات الذكية سيساعد في سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، بالإضافة إلى كونه خطوة على طريق إنشاء الشبكات الذكية التي ستساعد في التكامل بين منظومات الطاقة المولدة عن طريق الوقود الأحفوري ونظيرتها المولدة بالمصادر المُتجددة ”تلك الشبكات صُنعت فى الأساس لاستخدامها لمراقبة وحدات الإنتاج المتذبذب مثل تربينات الرياح وطاقة الأمواج والطاقات المتجددة عمومًا”، ويرى ”حسن” أن العدادات الذكية ساهمت في نشر ثقافة الاستهلاك في الدول المتقدمة ”بل تعدى الأمر ذلك، ففي ألمانيا على سبيل المثال ينتج المواطن طاقته عن طريق الشمس ويبيعها للشبكة” مما أدى، حسب قوله، إلى طفرة في مجال إنتاج الطاقات المتجددة بألمانيا. التعديلات الكبيرة والجذرية في البنية التحتية علاوة على الفساد المُترسخ فى الأماكن الحكومية والمحليات أمور تُقلق خبير الطاقات المُتجددة، غير أنه يري أن سياسة الدولة يجب أن ترتكن على عمليات التنفيذ المرحلية  ومراقبتها علاوة على الوضوح والشفافية فيما يتعلق بالخطط طويلة الأمد.

بيئيًا، يؤكد المهندس إبراهيم حسين، نائب رئيس الفرع الاقليمي لجهاز شئون البيئة بجنوب الصعيد، أن الوفر الناتج عن اتجاه الدولة المستقبلي لتركيب العدادات الذكية لن يؤثر سواءً بالسلب أو الإيجاب على مستويات التلوث الناتجة عن عمليات توليد الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن كميات الكهرباء المولدة لن تقل حال حدوث تقليل في نسب الاستهلاك قائلاً: سيتم ضخها في الشبكة الكهربائية الموحدة التي تربط بعض الدول العربية بمصر، ويرى ”حسين” أن الحلول المتعلقة بتقليل نسب التلوث بالانبعاثات الحرارية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري يجب أن تنبع من سياسات لها علاقة باستخدام الطاقات المتجددة وليس التقنيات المُتعلقة بالشبكات الذكية.

”اجراءات كثيرة يجب اتخاذها لمواجهة أزمة الكهرباء” يقول ”سلماوي” مشيرًا إلى أن سياسة تركيب العدادات الذكية للمستهلكين في القطاعين المنزلي والصناعي هو أحد أهم المحاور لمواجهة التحدي الذي يواجهه قطاع إنتاج الكهرباء ”يستهلك مستخدمي الشريحتين الخامسة والسادسة نحو 1600 ميجا وات من إجمالي إنتاج الكهرباء، إذا تمكن القطاع من إمدادهم بالعدادات الذكية سيحدث وفر في الطاقة بمقدار 10 %، فماذا لو تم تركيب تلك الآليات لجميع المستهلكين، الكبار منهم والصغار؟”.

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى