علوم و تكنولوجيا

الفائز بنوبل الكيمياء 2009 : ميزانية مصر المحدودة تقتل العلوم

 

HY-22-VENKI_1694069f

العام: 1952 المكان: مدينة صغيرة هادئة تقع شرق دولة الهند تُدعي ”تشيدامبارام”، ولد الطفل ”فينكترامان راميكشان” فى بيت يحمل سمات العلم، فكلا والديه يعملان في مجال الأبحاث، تعلم أن المعرفة يسبقها التساؤل، وأن التساؤل يسبقه الدهشة، وأن الدهشة تسبقها دائما وأبداً إعمال العقل، سنوات أولي قضاها وسط المجتمع الهندي العريق، تعلم فى مدارسها، وحصل على شهادته من جامعاتها، لينتقل بعد ذلك بصحبة والديه إلى أرض الأحلام، الولايات المتحدة الأمريكية، المكان الذي يُقدر العلم والعلماء ومنها إلى المملكة المتحدة، معقل الجامعة العريقة ”كامبريدج”.. سنوات دأب خلالها على دراسة الكيمياء، ليتوج مجهوده فى نهاية المطاف أكليل النجاح؛ المتمثل في حصوله على جائزة نوبل في فرع الكيمياء عام 2009، ليصبح سابع مواطن من أصل هندي يحصل على تلك الجائزة والتي تعتبر أرفع الجوائز العلمية على الإطلاق..

رؤية شاملة لفلسفة العلم، وكيفية تطبيقه، والبحث العلمي، وسبل تطويره، وأسباب ندرة حصول علماء العالم الثالث على جائزة نوبل يعرضها لكم ”مصراوي” في أول حوار للعالم الكبير ”فينكترامان راميكشان” مع وسيلة إعلام عربية في السطور التالية:

البيئة والتربية صنوان لا يفترقان، كيف أثرت البيئة في تكوينك العلمي؟ 

البيئة هامة جداً في تنشئة العالم، فعندما يشب شخص ما في مجتمع يحث على التعلم ويجيب على التساؤلات، ويسمح للأفكار بالانطلاق، يتهيأ ذلك الشخص نفسياً للإبداع، المجتمع المحيط له تأثير فعال سلباً أو إيجاباً على شخصية الإنسان، والبيئة الاجتماعية والسياسية يمكنها أن تُشكل تحولات رئيسية في شخصية الفرد، أنا ولدت لأبوين يعملان في الحقل العلمي، قضيا وقت طويل في الغرب، شجعاني على حب العلم، فأصبحت ما أنا عليه الآن.

وهل كان حلمك في الصغر أن تغدو عالماً؟ 

بالطبع لا، فبجانب اهتمامي الملحوظ بالعلوم، كنت اهتم بالرياضات، وكنت أرغب في أن أصبح طبيباً أو مهندساً، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، درست الكيمياء، شعرت بجاذبية نحوها وخصوصاً عندما قرأت مقالاً علمياً في أحد المجلات المتخصصة حول استخدام تقنيات جديدة للكشف عن طبيعة الريبوسوم، قررت الاستمرار في دراسة الكيمياء الحيوية، وأصبح ذلك العلم هو كل حياتي. في النهاية عليك الاختيار، لكن لو توافرت لي حياة أخرى، ربما سأدرس الطب، هذا حلمي الذي لم يتحقق بعد.

جئت من بلد عريقة – الهند – لديها حضارة تمتد لآلاف السنوات، كيف تري تأثيرها في العلم؟ 

لكل دولة طابع خاص، تُسبغه على عاداتها وتقاليدها؛ ولكن ليس على العلم، العلم أداة عالمية، لا مجال فيه للتحيز أو التعصب العرقي، تراكمي بامتياز، وظهر مع ظهور الإنسان الأول على الأرض، الجمع والالتقاط علم، اكتشاف النار علم، الزراعة علم، ولا يمكننا القول أن دولة ما أثرت على مسار العلم وحدها، العلوم منظومات معرفية، يضع فيها كل شخص لبنة، هكذا يتم البناء، العلم عالمي، ملك لكل إنسان على ظهر الأرض.

حصلت على جائزة نوبل كأمريكي.. ما سر قلة عدد الحاصلين على الجائزة من دول العالم الثالث؟

أنا لم أحصل على الجائزة كعالم أمريكي؛ بل كعالم هندي أمريكي، في النهاية جائزة نوبل لا تعبر عن التقدم العلمي لدولة ما بشكل كامل، فالعديد من الأبحاث الهامة تجري داخل معامل مجهولة ولا تجد فرصتها في الوصول إلى مقر الأكاديمية السويدية، الأفضل أن نتحدث عن لماذا لا يمتلك العالم الثالث ثقافة علمية قوية؟ والسبب يكمن في شقين، الأول الاقتصاد؛ فالعلم مُكلف، لا يمكن الحصول عليه بشكل مجاني، يحتاج إلى بنية تحتية قوية، تتمثل في المدارس والجامعات والمعامل والمعدات، ومعظم دول العالم الثالث فقيرة، ولا تستطيع الاستثمار في العلم على الوجه الأمثل، علاوة على شق أخر متعلق بالسياسة، فالطغاة؛ حُكام بعض دول العالم الثالث، يكرهون العلم والعلماء، هناك فجوة رهيبة بين بلدان العالم؟

وما سبب تلك الفجوة العلمية الهائلة بين بلدان العالم الأول والعالم الثالث؟ 

الحرية بالطبع، فبدونها لا مجال للإبداع، علاوة على التمويل والاستثمار، العلم يزدهر في البلدان التي تسمح لمواطنيها بحرية التعبير والكلام، اعتناق الدين الذي يبغونه، الحرية والعلم والديموقراطية ثلاثي مرتبط، إذا غاب ضلع واحد من ذلك المثلث أصبحت باقي الأضلاع بدون جدوي.

في مصر، ميزانية البحث العلمي لا تزيد عن نصف في المئة من الناتج القومي، هل تري أن تلك النسبة كافية؟ 

أنا ضد تخصيص ميزانيات مُحددة للأبحاث، فمعني وجود أمر من هذا النوع أن العلماء والمتخصصين سيضطرون إلى ممارسة العلوم ”الرخيصة” التي لا تكلف الدول الكثير، هناك فروع علمية تحتاج الكثير والكثير من الأموال، ويجب على مصر تخصيص ميزانيات مفتوحة للبحث العلمي إذا كان لديها نية التقدم.. الميزانيات المحدودة والمحددة سلفا تقتل العلوم.

أصولك هندية وتعيش الآن في الولايات المتحدة، هل يمكنك عقد مقارنات بين التعليم في الهند ونظيره في الدول المتقدمة؟ 

الحقيقة أن الهند قطعت شوطاً كبيراً في تطوير التعليم، فالمدارس الهندية، لا سيما في المناطق الحضرية، لا تختلف الكثير عن مدارس الغرب من وجهة نظري، والمناهج الدراسية مثلها مثل مثيلاتها في أوروبا وأمريكي، ورغم ذلك ينتشر الجهل والأمية والفقر في قطاعات واسعة من البلاد، لكنني اعتقد أن الهند قادرة على تخطي تلك العقبات إذا توافرت لدي حكومتها الرغبة في التغيير.

حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009، لماذا؟

في الحقيقة لم أحصل على الجائزة بمفردي، فقد تشاركت في الجائزة مع الدكتور ”توماس ستيتز” والدكتورة ”إد يوناث” عن أبحاث فى وظائف الريبوسوم، وهو جزء من الخلية يترجم الحمض النووي الريبري إلى بروتينات، أمضيت وزملائي الكثير من الوقت على مدي سنوات عديدة كمحاولة لاكتشاف خصائص جديدة للريبوسوم، تمكنا من ذلك ولذلك أعطونا الجائزة، الأمر فى غاية السهولة، أبذل قصاري جهدك في العلم، تمتع بذكاء كافي وستتمكن من الفوز بأرفع الجوائز العلمية، المادية والمعنوية.

كم ساعة تقضيها داخل المعامل تقريباً؟

يعتمد على طبيعة العمل، في الأوقات العادية حوالي 14 ساعات ربما تزيد في الأوقات الحاسمة، ”ريتشارد فاينمان”، الفيزيائي الأمريكي الذي اعتبره مثلي الأعلى، كان يقضي وقتاً أطول بكثير مني، وغاندي، كان يبادر إلى النوم عندما لا تستطيع قدماه تحمل وزنه، الحقيقة أن البشر يقضون أوقات طويلة في فعل أمور لا طائل منها، لو تعلمت البشرية تنظيم الوقت ستربح الكثير جداً.

وهل أثر قضائك لذلك الوقت الطويل على حياتك العائلية؟ 

لا، أجد الوقت اللازم لعائلتي، العالم مثل أي شخص، يستمتع بحياته ويري عائلته ويلعب الجولف، في النهاية نستطيع الاستمتاع بالحياة وتحقيق الذات وخدمة البشرية التي هي مهنة العالم فى الأساس.

وماهي نصيحتك لشباب الباحثين؟ 

بذل مزيد من الجهد، الاطلاع باستمرار على تحديثات العلوم، الأمل والعمل وفق جدول زمني محدد.

وكيف تري تطور العلم في السنوات المقبلة؟

الأمر مُذهل حقاً، يومياً وعلى مدار الساعة، يتم تحديث معلوماتنا بشكل لا يصدق، اعتقد أن العلم سيشهد طفرة حقيقية في السنوات القليلة المُقبلة، الوضع بات لا يصدق، نظريات تُهدم وأخري تخرج من العدم، اكتشافات مذهلة وآفاق جديدة تفتح أبواباً جديدة للبشرية، والتطور التكنولوجي يُحسن آليات البحث والتقصي والاختبار، اعتقد أننا مقبلون على عصور علمية جديدة ستشكل صدمة ومفاجأة للإنسان.

 

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى