تقارير و تحقيقاتسلايد

المؤهلات العليا على عربات الفول

 

1

 

«الشغل مش عيب ما دام شريف، لكن اللى مزعلنى إنى كنت بأحلم بشغل تانى غير ده» هكذا قال أحمد طه، خريج كلية التجارة، بينما يعد الأطباق لزبائنه على عربة الفول الموجودة بالمريوطية.

 

تخرج أحمد منذ 5 سنوات، وأمضى عامين كاملين يبحث عن عمل مناسب، ولم يجد إلا أعمالا ذات أجور ضئيلة للغاية، ويضيف: «اشتغلت فى شركة بمرتب 700 جنيه، ودول بالعافية يغطو مواصلاتى ومصاريفى الشخصية، ولا يوجد أى أمل فى تغطية كلفة الزواج أو الطوارئ كالعلاج مثلا».

 

فكر فى مشروع عربة الفول بعد أن لفت انتباهه الازدحام الذى يلف العربة صباحا، عمل مع أحد أصحاب العربات لفترة حتى تعلم «الصنعة» ثم بدأ مشروعه الخاص.

 

«فى البداية كان أهلى يرفضون تماما ما أفعله، وبعدين وافقوا بعد ما شافوا الفارق الكبير فى الدخل» يشير أحمد إلى أن صافى ربحه بعد خصم كل التكاليف، كان حوالى 100 جنيه فى اليوم أى 3000 فى الشهر، وهو أعلى بكثير من أى مرتب عرض عليه فى أى عمل تقدم له، كما يرتفع الربح أكثر فى شهر رمضان حيث قمة رواج الفول الذى يأكله الجميع فى السحور.

 

ارتفاع التكاليف أدى لارتفاع السعر وانخفاض دخل أحمد إلى النصف تقريبا، ولكن رغم ذلك لم يترك أحمد عمله، وقال: «النهارده الأزمة بقت أصعب، وحتى الشغل اللى سبته بمرتب 700 جنيه، لو دورت عليه دلوقتى مش هلاقيه أصلا».

 

مدير عام على عربة الفول

 

عمل ذوى المؤهلات العليا على مهن يدوية غير متوقعة منهم ليست ظاهرة جديدة، فقد تعددت الحالات المرصودة وأشهرها الواقعة التى حدثت فى 2004 حين انكشف عمل مدير عام بوزارة الشئون الاجتماعية على عربة فول، مما أدى لانقطاعه عن العمل وتحويله لمحاكمة تأديبية بمجلس الدولة. أصدرت المحكمة فى 22 أبريل حكما مخففا بالاكتفاء بخصم خمسة أيام من مرتبه بسبب انقطاعه عن العمل فقط، بينما أقرت المحكمة فى حيثيات الحكم ضمنيا ما فعله المدير، حيث نص الحكم على «حق موظفى الدولة فى مزاولة أعمال أخرى‏، شريطة أن تكون فى غير أوقات العمل الرسمية‏، وأن يكون العمل الذى يمارسه الموظف بعيدا عن مواطن الشبهات‏،‏ أو يمس النزاهة والأمانة».

 

قال إن كيلو الفول قبل حوالى خمس سنوات كان سعره 3 جنيهات ثم أخذ يرتفع بسرعة حتى وصل إلى 9 جنيهات قبل الثورة مباشرة، «قلنا الحاجة لو مارخصتش مش هاتغلى تانى لكن لقيناها بتغلى أكتر» يقول أشرف مشيرا إلى خيبة أمله مما توقعه من تغيير الثورة لحال الفقراء، حتى إن كيلو الفول البلدى وصل سعره الآن إلى 15 جنيه للكيلو، حتى إن هذا العام فقط شهد ارتفاع سعر شكارة الفول من 102 جنيه إلى 175 جنيها. يشكو أشرف أيضا من ارتفاع أسعار باقى المدخلات، فقد وصل سعر زجاجة الزيت التى كان سعرها منذ سنوات لا يزيد على 3 جنيهات إلى 10 جنيهات، وأيضا ارتفع سعر أنبوبة البوتاجاز التى يستخدمها فى عمله، حيث كانت قبل الثورة تكلف 10 جنيهات ثم ارتفعت حتى وصلت إلى 50 جنيها، وحاليا بعد انفراج الأزمة جزئيا استقر سعرها عند 20 جنيها. التكلفة تشمل أيضا أجور 3 مساعدين يعملون معه، يتقاضى كل منهم يوميته 40 جنيها وعلبة سجائر. أدت كل هذه الارتفاعات فى أسعار المدخلات إلى رفع أشرف لأسعاره، ولكن بشكل محدود كى لا يفقد زبائنه، فقد رفع سعر الساندوتش إلى 75 قرشا بدلا من نصف جنيه، وسعر الطلب إلى جنيهين ونصف بدلا من جنيه ونصف الجنيه، «الناس كلها حالتها تعبانة دلوقتى، وبقى ناس كتير تطلب تاخد الفول تطبخه فى بيتها عشان توفر، لو زودت السعر عن كده ناس كتير مش هتقدر تيجى» يقول أشرف مشيرا إلى أن سعر الفول يتغير بتغير مكان العربة، وفى منطقة أقرب للشعبية كمنطقته حيث أغلب زبائنه من «الصنايعية» لا يمكنه رفع السعر، بينما فى مناطق أخرى ذات مستوى مادى أعلى، مثل مدينة نصر أو الدقى يرفع أصحاب العربات السعر أكثر من ذلك ويصل الساندوتش إلى جنيه ونصف والطلب إلى 3 جنيهات ونصف الجنيه.

 

يشعر أشرف بأن دخله قد تأثر بشدة بسبب هذه التطورات، «زمان كنت فى اليوم أجيب مصاريفى ومصاريف البيت، ويبقى معايا 50 جنيها زيادة أحطها فى جمعية أو أحوشها لوقت ضيقة، دلوقتى خلاص بأجيب المصاريف بالعافية» يقول أشرف مشيرا إلى أنه لم يفكر أبدا رغم ذلك فى تغيير عمله، لعدم وجود فرص عمل فى البلد، وكذلك لأنه يعمل بهذه المهنة منذ وعى على الدنيا، وورثها أبا عن جد، ولا يعرف غيرها.

 

«زمان كانت الداخلية مطهقانا فى عيشتنا، وكل شوية حملة من البلدية يبهدلونا وياخدوا العربية والبضاعة، وبعدين بالعافية ناخد حاجتنا بعد ما ندفع غرامة، أو ماناخدهاش لأنهم طلبوا غرامة بيئة 10 آلاف جنيه أو سرقوها» يقول أشرف، مشيرا إلى تقبله أن يتم تقنين وضعه بشكل شرعى ويدفع ضرائب وتتم حمايته، بدلا من المطاردة من شرطة البلدية سابقا أو التعرض لأعمال البلطجة والسرقة حاليا بعد غياب الشرطة التام حسب تعبيره.

 

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى