ثقافة و فن

“ثلج أبيض بضفيرة سوداء”.. قصائد عن حرب لا تترك مجالا للعاطلين

s4201323105129

فى ديوان الشاعر العراقى صفاء ذياب (ثلج أبيض بضفيرة سوداء) لا تطل الحرب بوجهها التقليدى، وإنما عبر بوابة قصائد تمنحها أبعادا إنسانية أكثر عمقا من مجرد إعادة سرد صور يعرفها من شهد الحرب التى “لا تمنح مجالا للعاطلين”.

فالحرب التى أصبحت من طول الرفقة أو العشرة على مدى ثلاثين عاما تتخذ من المشاهد المتوالية مسرحا لاستعراض “مآثرها” بل إنها “تتأنق كل يوم… الحروب تهب الغنائم للجنود والقاعدين- فتعطى الجنود موتا يليق بالبنادق- والقاعدين مستقبلا من الكراسى الخشب.”

ويبدأ الديوان بقصيدة (الحرب.. فى طبعتها الأخيرة) وتقول سطورها الأولى “أنا الرابح الوحيد فى هذه الحروب-كلما دخلت حربا خرجت منها مدججا بالأرامل” ثم تستعرض الحرب بخيلاء هباتها.

“فتحت سوقا لبيع الأيدى والأرجل والأصابع-وفى خزانتى آلاف الرؤوس- وعلى أطراف الساحات يتجول رجال يبحثون عن أطرافهم الضائعة- لقد سرقتها الحرب وأهدتهم مهنا لا يتقنها أحد- إنها الحرب- لم تترك مجالا للعاطلين”.

وديوان (ثلج أبيض بضفيرة سوداء) صمم غلافه سامح خلف وكتبت نصوصه بين عامى 2009 و2012 ويقع فى 92 صفحة متوسطة القطع وأصدرته (الدار العربية للعلوم ناشرون) فى بيروت.

والديوان هو المجموعة الشعرية الخامسة لذياب (38 عاما) الذى يقيم حاليا فى النرويج بعد أن “درس الماجستير فى الأدب العربى فى جامعة البصرة وأكمل السنة التحضيرية فيها بتفوق إلا أنه لم يستطع إكمال رسالته لاضطراره للخروج من العراق” عام 2008 كما يسجل تعريف به فى الصفحة الأخيرة.

وباستثناء القصيدة الأولى (الحرب.. فى طبعتها الأخيرة) وهى الأطول فإن قصائد الديوان تميل إلى القصر ومنها قصيدة (أحلام) التى تقول “كل يوم لى أحلام على هذه الأرض-لكنى كلما صحوت- خانتنى الذاكرة”.

ولكن الذاكرة لا تخون الشاعر دائما إذ تذكره الحرب بنفسها –اسما صريحا أو مشاهد كابوسية- ولا تمنحه الطمأنينة وهو فى قارة أخرى..

ففى قصيدة (وجهى) يتلمس ملامحه بدهشة من يرى وجها آخر ويكتب هذه المفارقة.. “لكنى أتذكر آخر مرة رأيته فيها كان نديا – لم تمر عليه سوى ثلاث حروب- وحصار وثلج يتساقط – لماذا إذن كل هذه الندوب؟- لم تدن منه سوى رشاشتين ومسدس وعدد قليل من القنابل اليدوية- ولم تنفجر بالقرب من مفرشه سوى خمسين سيارة مفخخة- ولم تطل عيناه النظر بآلاف الجثث- فلماذا إذن كل هذه الندوب؟”.

ويبدو أن الذاكرة خؤون فبمرور القصائد تتسرب ذكريات الحرب التى يستبدل بها صمتا ووحدة وبرودة كما فى قصائد (وحيدا فى هذا الظلام) و(حياة صامتة) و(ظل واجم) و(امتحان لشتاء قادم) و(ثلج… ثلج) و(هدوء) و(لا ظل لى) التى يقول فيها “لا ظل لى على هذه الأرض-فالشمس وارفة جدا فى الغياب-فيما تتكاثر البياضات-تفترش الشمس سجادتها وتذوب-تذوب بين الأصابع”.

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى