أخبار العالم

حكاية أم فقدت أبناءها الثلاثة في مذبحة الروضة: رَجّعلي واحد بس يارب

%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9 %D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A9 %D8%AA%D9%86%D8%A8%D8%A3%D8%AA %D8%B9%D9%84%D9%89 %C2%AB%D9%81%D9%8A%D8%B3 %D8%A8%D9%88%D9%83%C2%BB %D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB %D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B6%D8%A9 %D9%82%D8%A8%D9%84 %D9%88%D9%82%D9%88%D8%B9%D9%87 %D8%A8%D9%80 5 %D8%A3%D9%8A%D8%A7%D9%85

كان يومًا عاديًا في حياة “سامية” وأطفالها. في السادسة صباحًا استيقظوا من نومهم، أدوا صلاة الصُبح، وتناولوا الإفطار استعدادًا للذهاب إلى الأرض للفِلاحة كما تعودوا بعد وفاة الأب. الأطفال الثلاثة الذين لا يتجاوز عُمر أكبرهم الـ17 عاماً، ويبلغ عُمر أصغرهم 10 سنواتٍ فقط، يُساعدون والدتهم في زراعة قطعة أرض هي كُل ما يملكونها من الدنيا. ساعات النهار إما في المدرسة، أو في الأرض، هكذا يقضي الصِبية أوقاتهم، في الليل كان استذكار الدروس كما العادة.

قُبيل ساعةٍ ونصف من صلاة الجُمعة نَادى الأخ الأكبر، الأم والصغيرين ليتجهوا جميعًا من الأرض إلى البيت للاغتسال استعدادًا للصلاة، والعودة لتناول الطعام الذي أعدته الأم.

مسجد “الروضة” هو الوجهة الدائمة للصِغار الثلاثة لأداء صلاة الجمعة كما عودهم والدهم نظرًا لقربه الشديد من منزلهم. المسافة الفاصلة بين المسجد والبيت لا تزيد على 10 أمتارِ. بعد مرور نحو ساعة كان الصِبية يستعدون للخروج من المنزل، وهم يودعون والدتهم وداعًا لم تعلم أنه الأخير، فيما تصيح فيهم مُرددة “متتأخروش يا ولاد.. من الجامع للبيت”.

نصف ساعة مرت عقب خروج الأولاد، والأم منهمكة في أعمالها المنزلية، ومع رفع الأذان، دوى الانفجار الذي خلع قلبها من مكانه قبل أن يودي بحياة أولادها الثلاثة.

كان هجومًا إرهابيًا استهدف مسجداً بقرية الروضة ببئر العبد بمحافظة شمال سيناء، واستشهد 305 أشخاص بينهم 27 طفلًا، وأصيب 185 آخرون، بحسب ما أعلنته النيابة العامة في بيان رسمي لها، أمس السبت.

بعد دقائق ثقيلة كالدهر، هدأ دوى الانفجار ولكن أصوات الرصاص بالخارج منعت الأم من الخروج من منزلها، بقت حبيسة إلى جوار باب البيت تدب صدرها بيدها وهى تُردد “ولادي يارب، ولادي”، بينما تحاول لملمة شتات نفسها وقلبها وهي تضع طرحة فوق رأسها قبل أن تندفع إلى الخارج، ليُقابلها أحد أبناء القرية الذي اصطحبها للمسجد من طريق غير الذي اعتادوه ليضمن سلامتهم: “الإرهابيون بعد ما خلصوا على المُصلين صفوا سكان البيوت اللي جنب المسجد حتى الأطفال منهم.. القرية كلها غرقانة في الدم”.

إلى جانب البوابة الرئيسية للمسجد، انهارت “سامية” وهى تشاهد أهل القرية يُخرجون بعض الجثث، ويضعونها جوار بعضهم البعض على الأرض حتى يتعرف عليهم الأهالي، بينما يجمعون المصابين إلى الداخل استعدادًا للذهاب بهم لمستشفى بئر العبد أو مستشفى العريش العام.

دموع وصرخات شقت صدرها.. كان ذلك هو حال الأم الثكلى وهى تبحث عن أبنائها، كلما مرت الدقائق ازداد حزنها ثِقلاً وهى تدعو الله أن يكونوا على قيد الحياة، حتى قررت التوجه لمستشفى بئر العبد علها تجدهم هناك.

في أحد أركان المستشفى جلست “سامية” تبكي: “ويلي، ويلي، ويلي” بعدما أحكمت بيدها- المغطاة بالدماء- الغطاء على أشلاء أولادها الذين تعرفت إليهم من ثيابهم، الطلقات التي أصابتهم قد فرغت أجسادهم لتجعلها أشلاء. بحسب أحد شهود العيان في القرية، والذي تواصل معه “مصراوي” هاتفيًا، استخدم الإرهابيون نوعاً من طلقات “آر بي جي” لتفتيت الأجساد لأشلاء على الفور.

“اصبري يا خالة.. اصبري واحتسبي” قالها أحد أهالي القرية في محاولة لتهدئة “سامية” التي وضعت يديها فوق رأسها، وهى تستجير إلى جوار جثث أبنائها: “طب يرجعولي واحد وأنا أصبر على فراق الاتنين. رجعلي واحد منهم بس يارب أو خدني معاهم”.

مساء يوم الجُمعة، وقفت “سامية” إلى جانب بعض من نساء القرية ممن فقدن أزواجهن وأبناءهن ليشهدن دفن جثامين الشهداء. لا بُكاء ولا عويل الآن، فقط صبر وجلد حاولن أن يتحلين به وهُن يودعن أحبتهن إلى المثوى الآخير راجيات الله أن يرزقهن بغير حسابٍ في حياة أفضل من تلك التي كانوا يحيونها.

“مش باخد عزاهم قبل ما آخد تارهم” رددتها سامية على مسامع كُل من ذهب لتعزيتها بمنزل أختها الذي انتقلت إليه بعد أن أغلقت أبواب منزلها نظرًا لسوء حالتها الصحية والنفسية. احتسبت أولادها الثلاثة شُهداءً، أحياءً، يرزقون عِند ربهم الذي تمنت عليه أن يُلحقها بهم أو يطيل في عُمرها حتى ترى رؤوس من حرموها منهم مُعلقة فوق أعمدة الإنارة ليستنير قلبها المكلوم بالثأر: “والله مايكفينيش فيهم حتى تعليق رؤوسهم للعبرة”.

المصدر

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى