أخبار العالم

«خبير اقتصادي» يضع «روشته» لإصلاح عجز الموازنة العامة

ahmed-el-ngar

طرح رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد النجار، عددًا من البدائل التي يمكن أن تعتمد عليها مصر لإصلاح عجز الموازنة العامة للدولة، وتنمية وتطوير موارد وإيرادات محلية كبيرة وذات طابع متجدد مع إبقاء العلاقة مفتوحة وإيجابية مع صندوق النقد الدولي.

ودعا النجار، في محاضرة ألقاها أمام منتدى عبد الحميد شومان الثقافي في عمان، اليوم الثلاثاء، تحت عنوان “سياسات الصندوق والدول الدائنة والبدائل المتاحة للتنمية المستقلة”، إلى إصلاح نظام الدعم بإزالة كل الدعم المقدم للأثرياء والمنتجعات السياحية والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية، التي تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية في صناعات الإسمنت والأسمدة والحديد والسيراميك والألومنيوم، وتحويل المخابز وقمائن الطوب وسيارات النقل والميكروباص للعمل بالغاز، من خلال قروض ميسرة لتمويل هذا التحويل، مما سيوفر كتلة عملاقة من الدعم تصل إلى قرابة 75 مليار جنيه من أصل 100 مليار جنيه قيمة مخصصات دعم المواد البترولية.

وأكد النجار ضرورة تغيير قانون إدارة الثروة المعدنية ورسوم استغلالها التي تقترب من الصفر، وهي على سبيل المثال قرشين على طن الطفلة أو الحجر الجيري، و20 قرشًا على طن الجرانيت، وتلك الرسوم تم وضعها عام 1956، على أساس أن الدولة هي التي تحتكر استغلالها، ثم دخل القطاع الخاص المحلي والأجنبي في استغلالها، واستمرت تلك الرسوم المتدنية مما يشكل نهبًا للموارد الطبيعية العامة.

وأشار إلى أنه يمكن لأي قانون جديد يرفع رسوم استغلال هذه الثروة لمستويات اقتصادية، أن يضيف لمصر ما يتراوح بين 7 مليارات جنيه كحد أدنى، ونحو 25 مليار سنويًا، حسب معدلات استخراج وتجهيز المواد المعدنية والمحجرية، وذلك حسب تقديرات الهيئة العامة للثروة المعدنية.

وشدد النجار على ضرورة إصلاح أسعار فائدة إقراض الحكومة على أذون وسندات الخزانة الجديدة، وإجراء تسوية للفوائد القديمة المتراكمة؛ بحيث لا يزيد سعر الفائدة بأكثر من نقطة مئوية عن سعر الفائدة، الذي يُعطي لأصحاب الودائع في الجهاز المصرفي، معتبرًا أنه من غير المعقول أن تبلغ الفائدة على سندات الخزانة ما يتراوح بين 13%، 17% في حين أن الفائدة على الودائع 9%.

وقال إن هذا الإجراء المشابه لتسويات بنوك القطاع العام مع رجال الأعمال المتعثرين سيخفض نحو ربع المدفوعات العملاقة على الديون الداخلية المتراكمة، أي نحو 33 مليار جنيه من مبلغ الفوائد الذي بلغ نحو 133 مليار جنيه في الموازنة الجارية 2012 / 2013.

ودعا رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور أحمد النجار، إلى إجراء تغيير حقيقي وجوهري في نظام الضرائب نحو نظام متعدد الشرائح وتصاعدي بمعدلات مشابهة لتلك المعمول بها في دول نامية ومشجعة للاستثمارات المحلية والأجنبية مثل تايلاند والصين وتركيا حيث الشريحة العليا للضرائب على دخل الأفراد 37%، 45%، 35% في الدول الثلاث بالترتيب.

كما حث على فرض ضرائب خفيفة على التعاملات في البورصة لتخفيف حدة المضاربات وتحقيق عائد للخزانة العامة، وفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية في البورصة وعلى تحويلات المضاربين والشركات الأجنبية لأرباحهم للخارج، وعلى التداول العقاري وعلى فوائد الودائع المصرفية مع الالتزام بإعفاء الفوائد التي تقل عن حد الإعفاء في الضريبة على الدخل، مشيرا إلى أن الحصيلة المتجددة سنويا لهذا التغيير لنظام الضرائب يمكن أن تتجاوز في عام واحد قيمة القرض الذي يتم التفاوض عليه مع صندوق النقد الدولي.

وأكد النجار ضرورة إجراء تغييرات حاسمة لأسعار تصدير الغاز المصري لكل من تركيا وإسبانيا والأردن، بحيث تتساوى مع الأسعار العالمية وتتغير تبعا لها، على أساس أن العقود الفاسدة التي تقدم الغاز المصري لتلك الدول بأسعار بالغة التدني وثابتة، هي عقود فاسدة أبرمها نظام فاسد لم يكن يعبر عن مصالح الشعب المصري، مشيرا إلى أنه لو حدث هذا التغيير لأسعار تصدير الغاز فإن مصر يمكن أن تضيف ما يقرب من 15 مليار جنيه كإيرادات عامة إضافية سنويا.

واقترح النجار فرض “ضريبة ثروة ناضبة” على كل الشركات المصرية والأجنبية التي تعمل في قطاع النفط والغاز لاسترداد حقوق الشعب منها، لأن غالبية عقود المشاركة في الإنتاج أبرمت عندما كان سعر النفط حوالي 17 دولارا للبرميل في تسعينيات القرن الماضي، وما زالت كما هي بعد أن تجاوز سعر البرميل 100 دولار مما جعل الشركات الأجنبية التي تعمل في قطاع النفط والغاز تحقق جبالا من الأرباح.

وأكد ضرورة استرداد حق مصر من هذه الزيادة من خلال هذه الضريبة على غرار ما فعلته دول أخرى مثل الجزائر، مشيرا إلى أن الناتج في قطاع استخراج البترول الخام والغاز قد بلغ 4. 222 مليار جنيه في عام 2011/2012، لافتا إلى أنه مع فرض ضريبة ثروة ناضبة بمعدل 15% فقط، فإنه سيحقق للدولة عائدا يبلغ 4. 33 مليار جنيه، منها 15 مليار جنيه من الشركات النفطية الأجنبية، وهو عائد ينبغي أن يوضع في صندوق الأجيال القادمة لتعويضها عن استنزاف الجيل الحالي لاحتياطي مصر من النفط والغاز، وأن تستخدم أموال هذا الصندوق في تمويل إنشاء مشروعات عامة منتجة ومربحة ليستفيد منها الجيل الراهن، ويتم تطويرها بشكل دائم لتوريثها للجيل القادم كأصول إنتاجية عالية الكفاءة والإنتاجية.

وشدد «النجار» على ضرورة إعادة النظر في دعم الصادرات المقدر بنحو 1. 3 مليار جنيه في الموازنة الأخيرة، نظرا لما تكشف من سوء وفساد توزيعه خلال السنوات الماضية، وتوجيه مخصصاته لدعم الصحة والتعليم وإصلاح نظام الأجور، أو تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة للاستغناء عن الاقتراض من الخارج، أو توجيه القروض من الخارج إلى إنشاء مشروعات إنتاجية، بدلا من سد عجز الموازنة.

وأكد ضرورة إنعاش قطاع السياحة، واستنهاض السياحة الداخلية والإقليمية والدولية في مصر بما يستعيد مستويات الإيرادات السياحية قبل الثورة على الأقل ويساهم في زيادة الرصيد المصري المتجدد سنويا من النقد الأجنبي، ويساهم في توازن ميزان الحساب الجاري، وينهي أو يقلل الحاجة للاقتراض من الخارج.

وأوضح أن هذا الإنعاش لقطاع السياحة يتحقق من خلال إزالة المعوقات التي أدت إلى تراجع أعداد السياح وإيرادات مصر السياحية من نحو 6. 11 مليار دولار عام 2009/2010، إلى 6. 10 مليار دولار عام 2010/2011، ثم إلى 4. 9 مليار دولار عام 2011/2012 وفقا للبيانات الرسمية.

وطالب النجار بفرض رسم للمغادرة لكل السياح بقيمة 50 دولارا بما يضيف للإيرادات العامة نحو 500 مليون دولار سنويا، إلى جانب تحريك الرسوم الجمركية على سلع منتقاة، دون الإخلال بالتزامات مصر إزاء منظمة التجارة العالمية واتفاقيات “جات” بما يرفع الإيرادات العامة من الجمارك، ويساهم في حماية المنتجات المحلية وتعزيز قدرتها على المنافسة في السوق المحلية.

ودعا إلى تقييد الواردات الكمالية بصورة مؤقتة (لمدة عامين) سواء بالاتفاق مع اتحاد الغرف التجارية بشكل ودي، أو من خلال قرارات إدارية، بما يوفر للدولة في العام ما يقرب من قيمة القرض الذي تتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول عليه، ويساهم في تقليص العجز التجاري الضخم واستعادة التوازن في ميزان الحساب الجاري.

وأكد رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور أحمد النجار، أن تلك الإجراءات ينبغي أن يتم تطبيقها بصورة عالية الكفاءة والمرونة ضمن حزمة شاملة للإصلاح بكل الإجراءات المباشرة والاحترازية التي تضمن فعالية ونجاح التطبيق، وتضمن تحقيق تنمية حقيقية بالاعتماد على الذات، وبإعطاء الأولوية للخيارات الوطنية المستقلة في التنمية واتجاهاتها، وتضمن رفع معدلات النمو الاقتصادي بالتركيز على قطاعات الصناعة التحويلية والزراعة والصيد والخدمات وعلى رأسها الخدمات الصحية والتعليمية والعلمية والسياحة.

ونوه على ضرورة أن تضمن تلك الاجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الناتج من خلال تمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة بتوفير فرص العمل الحقيقية لهم لتمكينهم من المشاركة الاقتصادية إنتاجا وتوزيعا، ومن خلال نظم عادلة للأجور والدعم والتحويلات الاجتماعية ودعم الخدمات العامة وعلى رأسها الخدمات الصحية والتعليمية.

وقال النجار إن طلب القروض من صندوق النقد الدولي أو أي دولة أو جهة أجنبية، يجب أن يكون لظروف الضرورة القصوى وبشروط مالية ميسرة، وأن يقترن باحترام الصندوق والجهات المقرضة للخطة الوطنية لإصلاح الاقتصاد المصري وإعادة التوازن له ولموازينه الداخلية والخارجية، وأن يكون مشروطا أيضا باستبعاد تصور فرض أي إجراءات من شأنها إضافة المزيد من الأعباء على الفقراء والطبقة الوسطى الذين تحملوا معاناة تاريخية هائلة لسنوات طويلة قبل الثورة وبعدها، تجسدت في الفقر والبطالة ونظم ظالمة للأجور والضرائب والدعم الموجه للأثرياء والرأسماليين وتعويق الأعمال بمدفوعات الفساد، وليس من المنطقي أو الاقتصادي أو الأخلاقي أو الممكن سياسيا تحميلهم بالمزيد من الأعباء.

وأضاف النجار إن طلب القروض مشروط أيضا بقبول الجهات المقرضة مبدأ حرية مصر في استخدام القروض حيث تدخل في جانب الإيرادات العامة بالموازنة العامة للدولة لاستخدامها في تمويل بناء مشروعات إنتاجية مباشرة، سواء تم ذلك من خلال تمويل مشروعات صغيرة وتعاونية خاصة للعاطلين لتحويلهم إلى مشتغلين ولإنتاج جيل جديد من أصحاب الأعمال الشباب الذين تنهض أعمالهم على العمل والعلم والإبداع، أو تمويل بناء مشروعات صناعية أو زراعية عامة أو مشتركة أو خاصة في مجالات يحتاجها المجتمع ويمكنها أن تعيد التوازن للسوق وترفع مستوى التشغيل، مشيرا إلى أن هذه المشروعات الإنتاجية يمكنها أن تسدد القرض وفوائده من إيراداتها.

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى