ثقافة و فن

د. نبيل فاروق : رجل المستحيل شخصية حقيقية

د. نبيل فاروق
جلس فى مكتبه أسفل صورة زيتية، لرجل المستحيل أدهم صبرى بطل روايته الشهيرة، التى ارتبط بها ملايين الشباب وتابعوها بشغف، حيث قرأها ما يقرب من 9 ملايين قارئ، تحدث عنه وكأنه ابنه الذى ولد على يديه وعاش معه 30 عاما، كما تحدث عن نور الدين محمود بطل روايته ملف المستقبل، وسائر أبطال رواياته التى استطاعت أن تجذب اهتمام الشباب، اشتهر بكتابة روايات الخيال العلمى، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عنها، كما برع فى الكتابة المخابراتية والجاسوسية، فولدت على يديه شخصية رجل المخابرات أدهم صبرى الذى ارتبط به معظم الشباب، ولعشقه للكتابة تفرغ لها وترك الطب.

 

“كايرو دار” كان له هذا الحوار مع الكاتب والأديب دكتور نبيل فاروق، الذى كشف فيه أسرارا كثيرة عن شخصية أدهم صبرى الحقيقية وعلاقته بجهاز المخابرات المصرى، وكيف اشترك فى إحدى عملياته وهو فى السنة الأولى بكلية الطب، كما تحدث عن معاصرته لحرب أكتوبر وتأثيرها عليه وعن نشأته ودور مدرسيه وخاصة أبلة سهير مدرسة الألعاب فى اكتشاف موهبته، كما كشف عن عدم اقتناع دور النشر برواية رجل المستحيل وتوقعاتها بفشلها وأسرار وتفاصيل أخرى خلال الحوار التالى :

 

حدثنا عن نشأتك وذكرياتك الأولى؟

 

– حياتى ليس فيها شئ مختلف أو متميز، فلم أكن طالبا نابغة أو فذا ولم يكن ترتيبى الأول رغم إننى كنت متفوقا وكانت هواياتى ومازالت كثيرة وأهمها هواية الرسم، وكنت معروفا فى كلية الطب التى التحقت بها بالرسام، وكونى كاتبا كانت مفاجئة كبيرة لزملائى ، فقد كنت أمين اللجنة الفنية وأرسم فى مجلات الكاريكاتير بالكلية، وأشارك فى معظم الأنشطة كجماعة التمثيل والتصوير واللجان الفنية والثقافية والنشاطات العامة .

 

وهل كنت تحلم وأنت طفل بأن تكون طبيا رغم ميولك الفنية ؟

 

– أبدا، كنت أحلم بأن أكون رساما، ولكن والدى كان يرى أن الرسم يمكن أن أمارسه دون دراسة، وأنه يجب أن يكون لى مهنة، ودائما يخدعنا المجموع فندخل الكلية التى تناسب مجموعنا وليس التى تناسب ميولنا، ولأننى حصلت على 90 % فى الثانوية العامة فكانت كلية الطب هى التى تناسب مجموعى، وكثيرون ممن يدخلون الطب يدخلونها لأنهم حصلوا على مجموع كبير و” للبرستيج” الذى تحمله كلمة ” دكتور” وليس لأنهم يحبون الطب وهذه سمة التعليم فى مصر.

 

ومن أكثر الشخصيات الذين أثروا فى حياتك أيام الدراسة الأولى ؟

 

– هناك الكثيرون ولا أنسى أبلة سهير مدرسة الألعاب، وهى أول شخص شجعنى على الكتابة وقتها كنت فى الصف الخامس الابتدائى، وكنت لا أراعى النواحى الروتينية، فلا أحضر لبس الألعاب معى وكنت أحضر بدلا منه قصصا ومجلات، وفى إحدى المرات قلت سأحكى لها حدوتة، فأعجبت جدا بطريقتى فى السرد واستمعت لى بكل اهتمام وقالت لى قم وأحكيها للفصل ثم طلبت منى أن أكتبها، ثم قمت بكتابتها على الآلة الكاتبة وطلبت من مدرس التربية الفنية رسم غلاف لها، ووضعوها فى مكتبة المدرسة وكلما جاء مفتش أطلعوه عليها، وقالوا إن طالبا بالصف الخامس هو الذى ألفها، وكانت أول مرة أعرف كلمة “تأليف”، وأفخر بأن يكون اسمى مكتوبا على شيئ، وكلما جاء مفتش للمدرسة طلب أن يرانى ومنذ ذلك الحين بدأ التفكير فى أن أكون كاتبا .

 

وماذا عن اهتمامك بالنواحى العلمية التى كان لها تأثيرا فى كتاباتك عن الخيال العلمى ؟

 

– كنت أهوى العلوم وخاصة الفيزياء، ولو تركونى بإرادتى الشخصية كنت التحقت بكلية العلوم، لأننى كنت ومازلت مغرما بالفيزياء لأنها تناسب فضولى العلمى الشديد، أوهى التى جذبتنى لكتابة الخيال العلمى الذى ينطلق من نظرية علمية حقيقية ثم يطرح سؤال ” ماذا لو” ، ولا أنسى أستاذ جورج مدرس العلوم فى المرحلة الإعدادية، الذى كان يعلمنا كيف نصنع الأشياء بأيدينا وكانت كثيرا ما تأتى إلى ذهنى أفكار جديدة وغريبة فأنفذها وتعجبه فيبتسم ويرمينى بالطباشيرة كنوع من التشجيع، وكنت خلال هذه الفترة أحب قراءة التاريخ والعلوم وأعتبر التاريخ حدوتة من يقرأها يستطيع أن يستنتج المستقبل، وأستشعر كيف توسع العلوم مداركى وتزيدنى قربا وإيمانا بالله.

 

وماذا عن الأسرة والوالدين والأشقاء ؟

 

– أنا من أبناء مدينة طنطا وكان والدى يعمل محاسبا، أما الوالدة فخريجة فنون جميلة، واستفدت منها كثيرا فى موهبة الرسم، وكان لدى كل أدواته وكنت الشقيق الأكبر لـ3 شقيقات، وكنت قريبا منهن بشكل كبير أمشى وأنا أضع يدى فى يد أى منهن إذا خرجت معها فيأتى أصدقائى فى اليوم التالى ويقولون ” شفناك مع الجو” كما كان البعض من زملائى وأقاربى يعتقدون أننى سأكون “دلوعة” لأنى متربى وسط بنات، ولهذا كان والدى يعاملنى بشدة خوفا من هذا الهاجس.

 

تحدثت عن نشاطك الفنى أثناء الدراسة الجامعية فماذا عن النشاط السياسى؟

 

– كان هناك نشاط سياسى فى الجامعة، ولكن ليس بالحالة الحالية من الانفجار السياسى وفى فترة دراستى بالكلية والتى كانت مابين عام 1974 و1978 كان هناك التيار اليسارى والتيارات الإسلامية، التى ظهرت وبدأت تفرض وجودها وتهاجم التيارات اليسارية وكان لها تصرفات لم أكن أتقبلها لأنهم كانوا يمارسون القمع باسم الدين، فمثلا استولوا على غرفة الجوالة وحولوها لمسجد حتى لا يعترض أحد، وهذا أسلوب متاجرة بالدين وإخفاء للنزعات السلطوية القمعية تحت ستار الدين.

 

وإلى أى تيار كنت تنتمى فى هذه الفترة ؟

 

– أنا لم ولن أنتمى لأى تيار سياسى، لأننى أرى أن الشخص الحر لا ينتمى لتيار وإنما ينتمى للحق فقط، فإذا انتميت إلى جهة أو جماعة سأجدنى مضطر للتغاضى عن الأخطاء التى ترتكبها، وإذا انتمى الكاتب إلى جهة لن يكون كاتبا حرا، وأنا لا أنتمى حتى لوظيفة حكومية ودائما أرى أن الحرية تعلو كل شيئ .

 

عاصرت فترة النكسة وحرب 73 فما تأثير هذه الفترة على كتاباتك ؟

 

– الحرب حالة لا يمكن أن يستوعبها إلا من عاشها، وقد وقعت النكسة وكنت فى الصف الخامس الابتدائى، فرأيت جدران الطوب والرمال التى تستخدم كسواتر أمام المنازل و الزجاج المدهون باللون الأزرق، وحالة الانكسار التى عاشها المصريون فكانت الحياة كلها محاصرة، وكل هذا ترك فى نفوسنا إحساس بأن البلد تتراجع للخلف، وعنما حدثت حرب 73 كنت فى الثانوية العامة وتحول هذا الإحساس إلى حالة فريدة لا توصف اهتزت الشوارع بالهتافات، ونزلت أنا وزملائى للتبرع بالدم فى طوابير طويلة، وأذكر أنهم كانوا يعطون كل من يتبرع علبة مربى وأول واحد فى مجموعتنا مسك علبة المربة رشقناه بنظرات فتركها ليتبرع بها للمجهود الحربى، فكنا نرى أن الدماء التى نتبرع بها لأبطالنا لا يجب أن نتقاضى مقابلا لها، وبعدما تبرعنا بأسبوع جاءت سيارة التبرع للمدرسة وقالوا من تبرع خلال شهر لا يتبرع مرة ثانية فأنكرنا جميعا وتبرعنا مرة ثانية، وكانت مصر كلها تشعر بهذه الحالة التى لم أرها مرة أخرى والتى أثرت على كتاباتى بشكل كبير.

 

ألم ترى هذه الحالة أثناء ثورة يناير ؟

 

– لا، لأنه أثناء ثورة يناير كان هناك من يخافون, ومن لا يريدون الثورة وهذا حقهم حتى وإن اختلفنا معهم، وإذا كان هناك 12 مليون نزلوا للثورة فهناك 70 مليون لم ينزلوا، أما أثناء حرب 73 فالكل حتى اللصوص كانوا يريدون أن يقدموا شيئا لمصر واختفت الجريمة والسرقات وكلمة مصر محتاجاك كانت تتردد بصدق، وهى الكلمة التى “باشت” وضاعت الآن لتعلو فكرة الجماعة تريد والحزب يريد وفى سبيل ذلك يمكن أن نضحى بمصر.

 

وكيف بدأت علاقتك بجهاز المخابرات وحقيقة أنك عملت فى هذا الجهاز ؟

 

– أنا لم اشتغل فى المخابرات، ولكنى قمت بإحدى العمليات وأنا فى أولى طب ولن أقول تفاصيل أكثر من ذلك .

 

وهل هذه الفترة هى التى أثرت فى اتجاهك للكتابة عن المخابرات والجاسوسية ؟

 

– كتاباتى سارت فى اتجاهين، الخيال العلمى وأعمال المخابرات، وخلال هذه الفترة التى اقتربت فيها من عمل المخابرات انجذبت لهذا العالم وقرأت عنه الكثير.

 

وأين عثرت على شخصية أدهم صبرى رجل المستحيل وهل هو شخصية حقيقية ؟

 

– وجدت هذه الشخصية فى أكثر من شخص، ولكنها بدأت من شخصية حقيقية تعرفت عليها أثناء العملية التى قمت بها وأنا فى السنة الأولى بكلية الطب.

 

وهل كانت هذه الشخصية تنتمى للمخابرات ؟

 

– كانت شخصية أمنية حقيقية ولكنها رحلت عن عالمنا.

 

ومن هذه الشخصية ؟

 

– لن أقول عنها أى تفاصيل أخرى.

 

هذا يعنى أن ميلاد شخصية أدهم صبرى حدث وأنت فى السنة الأولى من كلية الطب؟

 

– نعم، حيث كان لدى سؤال أطرحه دائما على نفسى وهو لماذا كل الشخصيات التى ننبهر بها شخصيات أجنبية مثل جيمس بوند وغيره، وأتساءل أين الشخصية والروح المصرية التى تشبهنا، فكان البعض يرد بأن لدينا أبوزيد الهلالى وعنتر، ولكننى كنت أريد شخصية معاصرة لزمنى، ولم أكن أتصور أن أكون أنا من ستولد على يديه هذه الشخصية، والغريب أننى حين كتبت شخصية أدهم صبرى وعرضتها على أول دار نشر عام 1979 تحدانى صاحبها وأكد لى أن هذه الشخصية لن تنجح ولن يكون لها مستقبل فى مصر لأنها بطولة فردية، ولكننى كنت أرى أن كل البطولات الفردية التى صنعها الأدب الغربى نجحت حتى فى خارج بلادها، فلماذا ينجحون ونحن لا ننجح فى أن نأتى بشخصية تشبهنا وتنتمى لنا ولتقاليدنا، فغضب صاحب دار النشر وقال لى غدا سأذكرك وأتحداك أنها لن تنجح أبدا.

 

وهل كان لديك يقين وقتها بأن هذه الشخصية ستنجح ؟

 

– لم يكن يقين، ولكننى كنت أرى الأمور بشكل مختلف، وأنه لا أحد يستطيع أن يحكم على التجربة قبل الدخول فيها، ورواية رجل المستحيل كانت تحتاج ناشرا جريئا كالأستاذ حمدى مصطفى، لأنه بحس الكاتب شعر أن هذه الشخصية ستنجح، ولكننى بعدما فشلت فى نشرها بعد رفض عدة دور نشر تركتها ونشرت ملف المستقبل عام 1984 والتى بدأت بفكرة رسمتها بطريقة كوميدية على كراسة، وأنا فى فترة التكليف فى قنا بعد تخرجى من كلية الطب، حيث لم يكن هناك أى وسيلة للتسلية فجئت بكراسة ورسمت شخصية نور الدين محمود، وتخيلت أن الأرض محتلة من كائنات أخرى ونور الدين هو قائد المقاومة، وحين رأيت إعلانا عن مسابقة لروايات الخيال العلمى، وجدت أنها فكرة مناسبة للمسابقة مع بعض التعديلات، فقمت بهذه التعديلات لتصبح رواية “أشعة الموت”، التى حصلت فيها على جائزة المسابقة، وكانت أول مرة أكتب عن المخابرات العلمية، ووقتها لم يكن هذا النوع من المخابرات موجودا ونشأ بعدها فى أمريكا للبحث عن الأسرار العلمية، وبعد نشر ملف المستقبل قررت أن أجازف بعرض شخصية رجل المستحيل على الأستاذ حمدى، وعندما قرأها تحمس لها وكان يساعدنى بشكل كبير على تطوير هذا العمل حيث تبلورت شخصية رجل المستحيل مع بداية العدد الثالث الذى بدأت تتبلور فيه تركيبة الرجل المخابراتى.

 المصدر

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى