أعمدة

زياد العليمى | يكتب : الإجابة الصحيحة: فى الوطن متسع للجميع

زياد العليمىأعلنت الهيئة العليا للانتخابات التونسية نتيجة المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية التونسية، حيث سيخوض كل من الباجى قائد السبسى جولة الإعادة أمام نظيره منصف المرزوقى بفارق 6% من الأصوات. وأيًّا كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، فإن القوى الوطنية التونسية خاضت معارك كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية لكى تضع ـ معًا ـ أسس الجمهورية التونسية الجديدة. فمن خلال الآليات الديمقراطية التى وضعت لتأسيس تلك الجمهورية، يصبح الوصول إلى السلطة مرهونًا بقدرة كل طرف على كسب ثقة المواطنين، ويصبح التداول السلمى للسلطة من طبائع الأمور. وحتى يصل التونسيون إلى تحقيق هذا النصر، مروا بمخاض استمر أربع سنوات ميَّزه شعور شديد بالمسؤولية لدى جميع الأطراف الفاعلة فى المجتمع التونسى:

■ قوى ديمقراطية وثورية، تعلم جيدًا أن فلول بن على والإسلاميين جزء أصيل من المجتمع لا يجوز التفكير باستئصاله، وبالتالى رتبوا أولوياتهم بحيث تكون محاسبة المسؤولين عن الفساد والاستبداد، واسترداد الأموال المنهوبة، أولوية أولى بالرعاية من محاولة استئصال قطاع من المجتمع، وهى المحاولة المحكوم عليها بالفشل قطعًا.

■ قيادات عسكرية، تعلم جيدًا أن دخولها طرفًا فى العملية السياسية يهدد تماسك الجيش! لأن تأييد تلك القيادات لرؤى سياسية ومعارضتها لرؤى أخرى سيفقدها حيدتها، وتصبح طرفًا يتحالف ويعادى، وبالتالى يجعل ممن يخالفون رؤيته خصومًا لجيشهم! فاختارت تلك القيادات الحفاظ على حيدتها والقيام بدورها المقدس فى حماية الوطن، على اختلاف توجهات أفراده بدلًا من الطمع فى السلطة.

■ إسلاميون، يعلمون جيدًا أن أى محاولة لتحقيق نصر سريع ستنتهى بسقوط أسرع! ولن يكونوا وحدهم ضحية تلك المحاولة، بل ستنال من التجربة الديمقراطية الوليدة برمتها. وهو ما يعنى ـ بشكل براجماتى ـ فقدانهم أى فرصة للوصول إلى السلطة أو اقتسامها فى المستقبل.

■ فلول بن على، الذين عرفوا أن زمانهم ولى، وأن أى محاولة منهم للعودة إلى السلطة بنفس القواعد ستنتهى نهاية مأساوية، وسيكونون غالبًا أولى ضحاياها، وبالتالى اختاروا أن يتصدر تمثيلهم العناصر التى لم تتورط بشكل مباشر فى فساد النظام، والقادرة على العمل كجزء من جبهة واسعة تضم من ساهموا فى إسقاط سلطتهم.

علم الجميع أن الأمر يحتاج بعض الوقت حتى تتمكن القوى كافة من بناء ذاتها فى مناخ ديمقراطى، ويتمكن المجتمع من إدارة حوار واسع يصل بهم لعقد اجتماعى جديد. ورغم كل العقبات التى واجهت هذه العملية، إلا أن الجميع كان حريصًا ـ أو على الأقل حاول أن يبدو حريصًا ـ على بناء توافق ديمقراطى حقيقى.

أربع سنوات أمضتها هذه الأطراف فى محاولة بناء توافق حقيقى، يتنازل فيه كل طرف عن تحقيق كل آماله وأحلامه لبناء قواعد الجمهورية الجديدة، فأيًّا كان من سيصل للسلطة أولًا فإن تلك القواعد التى وضعها الجميع كفيلة وحدها بتصحيح المسار، وتعديل اختياراتها من خلال تداول حقيقى وسلمى للسلطة.

كان من المفترض أن تسير بلادنا على نفس الخطى لتصل لبر الأمان، لولا جريمة استفتاء مارس 2011، التى دُفعت فيها الأمور نحو انتخابات تسبق هذا التوافق وتأسيس الدولة الجديدة؛ وكأن المشكلة كانت فى شخص مبارك، لا فى نظام كامل خرج ملايين المصريين لإسقاطه، فأصبحنا أمام نسخ مختلفة ممن يديرون شؤون البلاد، تتغير وجوههم، ويبقى داخل كل منهم مبارك ونظامه!

هذا هو الطريق الذى نادى به كثيرون منذ البداية، فاتُّهموا بأنهم يريدون تعطيل عجلة الإنتاج، وهو الذى كان من شأنه أن يقينا دماء كثيرة أريقت، وسنوات تضيع دون تحقيق تقدم يذكر. والآن لن يفيد التباكى على ما فات أو تذكر أطراف الجريمة ومصمصة الشفاه، فعلينا أن نتذكر جميعًا حكمة بوذا: «لا أخطاء فى الحياة، لكن بها دروس». وعلينا أن نتعلم من هذا الدرس أنه لا استقرار دون عدل، ولا تقدم دون السعى الحقيقى لبناء وطن يتسع الجميع، ويحترم اختلافاتهم، ويضع قواعد لإدارة صراعهم بشكل ديمقراطى، يومها سنبنى نظامًا طالما حلمنا به على أنقاض نظام سقط ولم يتبق سوى إعلان ذلك، يومها ستصبح الإجابة الصحيحة: مصر!

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى