أعمدة

زياد العليمي | يكتب : يوميات الأمن والأمان

زياد-العليمي

(1)

قام عدد من المجهولين باقتحام مكتب بريد وادي حوف في 19 مارس الماضي وسرقة محتوياته بعد تهديد العاملين به بالسلاح. وأثبتت تحقيقات النيابة أن المتهمين بالسرقة هم أنفسهم من قاموا بسرقة نفس مكتب البريد 18 مرة سابقة! باستخدام نفس الطريقة ونفس السيارة دون أن يتم القبض عليهم! كما كشفت التحقيقات أن المتهمين توجهوا لذات المكتب خلال شهر فبراير من ذات العام للسرقة صباحًا فلم يجدوا في الخزانة سوى 180 جنيها، وهو مادفعهم للتوجه للمكتب في اليوم التالي وسرقوا من الخزينة 75 ألف جنيه!!

(2)

في يوليو الماضي أعلن المهندس رأفت إيميل حنين، مدير مديرية الطرق والكباري بمحافظة القاهرة، عن سرقة المكشطة التي تقوم بإزالة طبقة الأسفلت القديمة من شارع المنصورية ويقدر ثمنها بثمانية ملايين جنيه. وتذكرنا هذه الحادثة بسرقة أجزاء من الحفار العملاق «كليوباترا» الذي كان يقوم بحفر المرحلة الثالثة من مترو الأنفاق، وتقدر المسروقات بـ 1.5 مليون جنيه، دون أن تصل التحقيقات للمتهمين!

(3)

فوجئ المارة على كوبري قصر النيل في فبراير الماضي، باختفاء أحد أعمدة الإنارة الأثرية أعلى الكوبري، حيث قام مجهول بقطع العمود الحديدي بمنشار، ورغم التواجد الأمني بالمنطقة لم يلاحظ أحد تلك الواقعة إلا بعد مرور عدة أيام، ولم يتم التوصل إلى الجاني!

(4)

يوليو الماضي تعرض أحد فروع شركة من شركات الاتصالات بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، لسطو مسلح في وضح النهار، دون أن تتوصل التحقيقات لشيء!

(5)

منذ أقل من عام فوجئنا صباحًا بسرقة سيارة صديقي- الذي أشاركه السكن ـ من أمام المنزل، فاتصلت لإبلاغ النجدة وطلب معاينة لمكان الحادث ودار الحوار التالي:

ـ ألو لو سمحت عاوز أبلغ عن سرقة عربية، وعاوز حد ييجي يعمل معاينة لمكان الحادث.

ـ يعني حضرتك عربيتك اتسرقت؟

ـ أيوة.

ـ وأنا أعمل لك إيه؟

ـ أنا باقول لو ممكن تبلغ البوليس!

ـ لأ حضرتك تروح القسم تعمل محضر بنفسك.

وطبعًا بعد ذهابنا للقسم، ومكتب سرقة السيارات بمديرية الأمن التابعين لها، فوجئت بأحد الضباط يستعلم عني ثم يخبرني أن رئيس المكتب يطلب مقابلتي، فسعدت لاهتمامهم بالأمر، ثم دار بيني وبين رئيس الوحدة الحوار التالي:

ـ حضرتك أستاذ زياد العليمي؟

ـ أيوة.

ـ أصل أنا باشبه عليك، كنت باشوفك في نادي …….. بتعوم مع ابنك في حمام السباحة صح؟

ـ أيوة، شكرًا لاهتمام حضرتك، أنا كنت عاوز أسأل بالنسبة للعربية هنعمل إيه.

ـ هما اللي سرقوها غالبًا هيتصلوا بيك ويطلبوا منك مبلغ، إبقى بلغنا بس.

وعلمت بعدها أنه من المعتاد أن تسرق السيارات، ويسترد المالك سيارته بعد دفع المبلغ المطلوب!

(6)

تمكن سجينان ـ محكوم عليهما بالإعدام ـ من الهرب من سجن المستقبل بالإسماعيلية بمساعدة أميني شرطة! وكشفت التحقيقات أن أحد الأمينين سبق الحكم عليه في قضية سرقة حديد تسليح من طريق عام وفصل من الخدمة، ثم أعيد لها بعد انتهاء عقوبته! أما الآخر فقد حبس من قبل بعد ثبوت تعذيبه للمحتجزين في مركز شرطة بدر، ونقل للخدمة بالسجن بعد قضاء عقوبته!

(7)

نشرت جماعة أجناد مصر بيانًا يونيو الماضي أعلنت فيه أنها فخخت قصر الاتحادية، وألغت التنفيذ نتيجة وجود مدنيين وحذرت المواطنين من بقاء عبوتين ناسفتين بشارعي الميرغني والأهرام! وعلى الرغم من نشر البيان على شبكة الإنترنت- التي كانت وزارة الداخلية قد أقامت مناقصة لتوريد برامج مراقبته وبناء قاعدة بيانات بتكلفة تراوحت بين 430 و 700 مليون جنيه ـ ذكر الصحفي عمر الهادي أنه اتصل بقيادات الداخلية للرد على البيان، ووجدهم لا يعلمون شيئًا عنه، فأرسل لهم نسخة، ومساء ذات اليوم صرح مسؤول أمني بأن «البيان محاولة لإرهاب المدنيين وأن محيط الاتحادية مؤمن بالكامل»! وبعد يومين انفجرت العبوتين في المكانين المحددين بالبيان.

(8)

إنها بعض القضايا المعروفة وتجربة شخصية جرت خلال عدة شهور فقط. والغريب أنه على الرغم من تكرار حوادث كبيرة تدل على فشل أمني ذريع، فإن أول ما يواجه به من يطالب بإعادة هيكلة وزارة الداخلية، هو الاتهام بأنه يريد هدم الدولة!

الحقيقة أن من يهدم الدولة هو من يترك جهازها الأمني بلا رقابة، معطيًا له صلاحيات رفض الرقابة الفنية، والمالية؛ بشهادة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أعلن رفض قيادات الداخلية مراجعة ميزانية الوزارة، ولم يتم اتخاذ أي إجراء رغم إبلاغ النائب العام! من يهدم الدولة، هو من يترك جهازا خطيرا، يراكم فشلًا وراء آخر دون مساءلة.. من يهدم الدولة، هو من يصمت عن تعذيب داخل أماكن الاحتجاز أودى بحياة 80 شخصا خلال العام الماضي وحده. من يهدم الدولة، هو من يترك القتل العشوائي دون محاكمة ليصبح تقليدا دائما. أما من يطالب بإعادة الأمور إلى نصابها، باعتبار مؤسسة الشرطة مؤسسة خدمية، يتقاضى رجالها رواتبهم من ضرائب المصريين- ليكونوا خادمين لهم لا أسيادًا عليهم ـ هو من يريد بناء دولة حديثة قوامها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى