أعمدةمقالات

شادي زعبل| يكتب: والله وكبرت يا ولدي وعجزت

شادي زعبل
شادي زعبل

جملة سمعتها كثيراً سيمر العمر بك ولن تشعر به، قيلت لي من الراحلين جدي وجدتي رحمهما الله ولم أكن أصدقهما وتلاها عليٌ الكثير من الأصدقاء والمعارف ولم ألقي لها بالاً .

تذكرتها في إحدى الجلسات النقاشية مع مجموعة من الأصدقاء في جمعيتنا الخيرية، كان هناك أعضاء جدد فالمتعارف عليه أن يقدم الحميع نفسه وحين وصلوا إلي انتظرت قليلاً وشردت ثم عرفت نفسي بلا ذكر سني الحالي، حقيقة لم أكن أعلمه تحديداً كنت أظن أنني مازلت في أول العشرينات .

وبينما الحديث بينهم مستمراً إلا أنني مازلت شارداً دارت بي الذكريات وتذكرت القريب العاجل منذ الثانوية العامة وكيف كنت حزين من درجتي إلا أنني استفقت والتحقت ككل شباب بلدي بكلية لا أحبها .

ودارت أيضاً ذكرياتي مع الأصدقاء وكيف أنني كنت أخطط حياتي لأصبح.. كأحد أحلامي وكيف تغيرت تلك الأحلام والأهداف فاجأة بسبب تغير الظروف إلا أن بعض تلك الأحلام تحققت .

لكن كيف؟ هل فعلاً سأصبح ابن السابعة والعشرين لا أعلم متى جرى بي العمر آخر مرة حسبت فيها عمري كنت في الخامسة والعشرين تقريباً أم أن الحياة تأبى أن تذيقني اليوم يوماً كاملاً .

خرجت حينها من اجتماعنا الذي كسى وجهي عبوساً أكثر ما كان عابسً في الماضي تعجبت وظل التفكير مستمر إلى أن وصلت بيتي الذي يبعد أمتار عن المكان الذي كنت فيه .

وقفت أبدل ملابسي ولمحت وجهي في المرآةً فعدت سريعاً من هول المفاجأة كيف تغير شكلي إلى كل هذا الحد لحيتي التي كست ملامحي وغيرتها وحولتني إلى رجل كبر سنه وهرمت صحته وأصبح شائباً .

يا ويلي أهذا أنا! لكن كيف تبدلت تلك الملامح، لما أكترث كثيراً وأقنعت نفسي أن لحيتي التي كبرت هي من غيرتني إلى هذا الحد خرجت لأعير ذلك الضيق في صدري وجلست مع بعض الأصدقاء بعدما كنت أنوي القراءة لكن شعرت بأنني في ذلك الوقت لا يمكنني الإنفراد بنفسي مجدداً لكي أمنع ذلك التفكير .

بينما نحن نتحدث قيلت لي نفس الكلمة ملامحك بتقول أنك ابن الأربعين ! مرت الكلمة مرور الكرام على من جلسوا معي إلا أنا فكانت بمثابة المطرقة المدوية التي فتحت صندوق من الأفكار الغريبة .

تلك الأفكار القاتلة التي تمثلت في شبح ظهر أمامي يحدثني ويدور حولي في محاولة منه لتحذيري أن ما أفكر به صحيح جرى العمر وأنت لا تشعر فاحذر أن لا تحقق كل ما حلمت به قبل أن ترحل وتترك أثراً .

في الواقع لم يحادثني الشبح ولم يظهر أمامي بل كنت أنا أحادث نفسي في صمت تام يظهر علي وأصدقائي يتحدثون وتحيطنا أنغام أم كلثوم وهي تتنغم بـ أنساك..! ده كلام..؟ أنساك..! يا سلام..! أهو ده اللى مش ممكن أبداً.

سريعاً ما قطعت جلستي معهم وطلبت الرحيل وفعلاً رحلت وتركتهم تسيطر علي تلك الأفكار العجيبة إلى أن وصلت لمنزلي وجلست منفرداً أنظر إلى كتبي برز منها حين نظرت روايتي المفضلة كل الطرق لا تؤدي إلى روما دارت في عقلي تلك الأفكار مجدداً فالتقطت قلمي صديقي الوفي الذي أعاتب الجميع به في تلك الأوراق المكرمشة بسلة المهملات .

وأحضرت ورقة بيضاً وكتبت عليها أين أنت؟ في الواقع لم أكن أعلم لماذا كتبتها لكنها كانت صيغة تسائل أوجهها لنفسي عسى ذلك الشبح الذي تكون أمامي أن يظهر ويجيبني هذه المرة .

قلبت الورقة وبدأت أكتب ثانياً أحلامي التي كتبتها منذ سنتين تقريباً وماذا حققت منها وماذا تأجل في الواقع لم أكن ناجحاً بما فيه الكفاية لكن يكفي قولي أنني حاولت وحققت منها البعض أخذني الحديث من نفسي إلى أن أضع هدفاً منذ ذلك اليوم قبل أن يغلب علي النعاس ويكون تفكيري مضيعةً للوقت فكتبت اترك أثراً تلك الكلمة جعلتني أفكر في كتابة ذلك المقال وليس سني كما اعتقد من يقرأ لي .

كيف اترك أثراً يا عم الفيلسوف ! قيلت لي من ذلك الشاب الذي يشاركني أعمال الجمعية ويتولى بعض الأعمال معي لكنه يصغرني بسنوات فكان أول من يحادثني بعد كتابة تلك الجملة فسئلته سؤالاً قد يكون مهماً لدي لكنه ليس كذلك عنده هل تركت أثراً في حياتك ؟ فكان رده علي ببداية تلك الفقرة وهو يتسائل اترك أثر ازاي يعني ؟

كلاً مننا في عمله في منزله بين أصدقاءه في صحبته في عائلته في بلدته يمكنه أن يترك أثراً جميلاً دائماُ قدم صنائع المعروف ففي عملك وجه بالحسنى واللين قد لا يستطيع البعض فعل ذلك بسبب منصبه أو وظيفته التي فرضت عليه العبوس في المعاملة مع الجميع لكن حاول أن تظهر الجانب الطيب فيك صدقني سيحفر اسمك في قلوب من يعملون معك وستحقق أعلى النتائج .

في منزلك تحدث مع أهلك بطريقة البائع الذي يمدح في سلعته التي يروجها لكي يستفيد عامل أسرتك بتلك الطريقة اجعلهم يسمعون منك أجمل الجمل والتعبيرات .

مع أبنائك وبناتك دائماً أظهر لهم أفضل الجمل امتدح صغائر ما يعملون لا تنهر ولا تشخط فيهم بل علمهم بالحسنى ويكسو وجهك الابتسامة .

بين أصدقائك لا تكن ساخراً من أحد مفرقاً في المعاملة بينهم بل كن صاحب ابتسامة وأثراً فيهم انصحهم بالخير والنصائح التي تساعدهم في حياتهم فهكذا تترك أثراً .

تلك الجملة هي من تعهدت أن استمر عليها باقي حياتي رغم ما جرى منه من سنين سأترك أثراً أينما وجدت !! شكراً لقراءتكم .

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى