أخبار العالم

شيخ الأزهر: أحلمُ بقوانين تُسَاوى بين أبنائنا عند التقدم لوظيفة ما

s5201430154844

تحدث الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى برنامجه اليومى، الذى يذاع طوال شهر رمضان المبارك، على الفضائية المصرية عن أثر التواضع فى انتشار التراحم بين الناس، وضرورة الأخذ بمعيار الكفاءة عند التقدم لوظيفة من الوظائف.

وفى بداية اللقاء أوضح، أنه يركز على فضيلة التواضع حتى تنتشر فى مجتمعاتنا، ونصبح من المجتمعات المتراحمة، لأنه لو تواضع كل واحدٍ منا للآخر سوف يسود التراحم فى المجتمع، ولو قسمنا الناس إلى طبقات، طبقة مُحتقرة وطبقة محترمة، سوف يسود الحقد، والحسد، والرياء، وغيرها من الرذائل التى ستتزايد مع تهاوى هذه الفضيلة.

وأكد، أن الفقراء دائمًا ما كانوا سواعد الأنبياء القوية فى الدعوة إلى الله تعالى، وفى هداية الناس إلى الله سبحانه، فهم أصحاب فضل – ما فى ذلك ريب – فى المجتمعات كلها، حتى على المستوى الدنيوى، فالبناء والتعمير على أى أساسٍ يقوم؟ وكذلك الزراعة والصناعة، وكل الأعمال التى تُشَكِّل “العصب الأساس” فى كل المجتمعات، مَن يقوم بها؟ أيقوم بها المترفون أم العُمَّال الذين يكدون ويتعبون؟

وشدد على ضرورة النظر إلى هؤلاء الناس نظرة احترام ونظرة تقدير، فهِرقل عظيم الروم أَرْسَلَ إلى أبى سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ؛ وهو فى تجارة بالشَّام مع رَكْبٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فحضرَوا إلى مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَا هِرَقل بِتَرْجُمَانِهِ وقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِى، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّى، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ، فَوَاللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أن يَأْثِرُوا عَلَى كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ، أن قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ، قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: لا، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ..”؛ أى أن تابعيه هم من بسطاء الناس وطبقة الضعفاء “طبقة الفقراء والمساكين”، فقال له هرقل: وهكذا أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، مما يدلنا على أن أتباع الرسل فى المقام الأول هم من هذه الطبقة، ثم قال بعد ذلك لأبى سفيان: “فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَى هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ” وبالفعل لم تمضِ سنوات قلائل حتى كان الإسلام فى الشام، وصدقت فراسة هذا الرجل.

وأضاف، أن التأفف من الفقراء، ضَرَبَ مبدأ إسلاميًّا مُهِمّاً فى مقتل؛ وهو مبدأ تكافؤ الفرص فى الوظائف، فلو أن أيًا من الناس – فى الغرب – تقدم لأى وظيفة من الوظائف، تجدهم ينظرون إلى هؤلاء المتقدمين نظرة متساوية تمامًا، فالفيصل هو الكفاءة لديهم، ولذلك بلادهم تقدمت ووصلت إلى مركز مرموق فى العلوم والحضارة، لكن لا تزال بعض الوظائف فى بلادنا تُحجَز لأصحاب مواصفات اجتماعية معينة، وليست مواصفات كفاءة، فلو تقدم من هو أكفأ ولكن يفقد البريق الاجتماعى مع مَن يلمع اجتماعيًا، وكفاءته تكاد تكون منعدمة، يُقدَّم هذا الذى يلمع اجتماعيًا، وهذا تأسيس للطبقية التى جاء الإسلام ليهدمها من الأصل، لأن تصنيف المجتمع لا يقوم على أساس الكفاءة، ولا على أساس العمل، ولا على أساس القدرة، ولا على أساس الذكاء، وإنما على أساس طبقات اجتماعية، وهذه هى الكارثة، فنحن نرى أن هناك وظائف مغلقة على ناس معينة، وهذا ليس من الإسلام، ولا من العدل، ولا من الإنصاف، وإنما هو نوعٌ من الكبر، ومن العيب أن يسبقنا غير المسلمين فى هذا المضمار.

وأكد، أن معيار الكفاءة هو الذى يجب أن يسود ويتصدَّر فى بلادنا؛ لأن هذا هو الذى يتماشى مع مبدأ المساواة، ومبدأ التواضع للناس، ولذا لا ينبغى أن يقيم الناس فى مسألة الوظائف على أساس من الفوارق الاجتماعية أو الفوارق الأُسرية، أو الإمكانات المادية، فما ذنب شاب والده يعمل فى مهنة متواضعة جدًا ثم يُحال بينه وبين وظائف معينة؟ هذا نوع من الظلم الاجتماعى، وأرجو وأتمنى وأحلُم وأتطلع إلى أن نصبح فى يومٍ ما من الأيام، وقد وُضعت القوانين والأسس التى تسوى بين أولاد الناس جميعًا عند التقدم لوظيفة ما.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى