ضياء رشوان | يكتب : زيادة السكان: نعمة أم نقمة؟

والواضح هو أن اهتمام الحكومات الفائق فى تلك الدول العربية بقضية الزيادة السكانية واعتبارها مصدراً شبه وحيد لكافة المشكلات التى يعانى منها سكانها، يعود فى جزء كبير منه إلى تزايد عجز الحكومات المتعاقبة عن حل أبرز تلك المشكلات، خاصة البطالة والإنفاق على التعليم والخدمات العامة، بسبب نقص الموارد العامة لهذه الدول. وقد بدا واضحاً أيضاً أن تلك المشكلات ذات الطبيعة الاجتماعية– الاقتصادية قد دفعت إلى خلق أزمات ذات طابع سياسى فى تلك البلدان يمكن لها أن تؤثر بصورة أو بأخرى على الاستقرار الذى تنشده الحكومات فيها. وعلى الرغم من أن عديداً من علماء الاقتصاد يرجعون معظم تلك المشكلات إلى سوء التخطيط والإدارة الحكوميين ويبرئون ساحة النمو السكانى منها، فإن المسؤولين الرسميين فى تلك الدول العربية لا يتوقفون عن إلقاء المسؤولية عليه.

ويزداد اهتمام تلك الدول العربية بخفض الزيادة السكانية بالنظر إلى انقلاب الهرم السكانى فيها لتصبح قاعدته العريضة من الأطفال والشباب، حيث يبلغ متوسط نسبة من هم أقل من 18 عاماً أكثر من ربع السكان، بينما تصل نسبة من هم أقل من 30 عاماً أكثر من 60% منهم، فى حين تتراوح نسبة من هم فوق سن 65 عاماً ما بين 2.5 و4% منهم فقط. ويعنى ذلك بالنسبة لهذه الحكومات تزايد أعباء الإنفاق على نحو ربع سكان بلدانها من التلاميذ والطلاب فى مراحل التعليم العام المختلفة، فضلاً عن الخطورة الاجتماعية والسياسية التى تمثلها تلك الشريحة الواسعة فى حالة إحباط توقعات المنتمين إليها، سواء فيما يخص مستوى التعليم أو قدرتهم على الالتحاق بسوق العمل بعد تخرجهم.

وعلى الرغم من أن الزيادة السكانية قد أضحت فى عدد كبير من دول العالم المتقدم واحدة من أبرز الموارد التى تفتقدها بسبب تراجع معدلاتها فيها إلى الحد الذى يهدد بعدم قدرتها على التجديد الجيلى، فإن غالبية الحكومات العربية المعنية غير قادرة حتى اليوم على الاستفادة من تلك الميزة النسبية فى السوق العالمية، التى أضحت أكثر ارتباطاً فى السنوات الأخيرة. وبصورة محددة يشار هنا إلى الحاجة المتزايدة لدول الاتحاد الأوروبى خلال السنوات الثلاثين المقبلة إلى أعداد ضخمة من القوى العاملة المؤهلة والتى يقدرها البعض بأكثر من ثلاثين مليون شخص، والتى لن يكون أمامها سوى السماح بدخولها من دول الجوار التى تتمتع بفوائض سكانية مناسبة. فلم تقم حكومات تلك البلدان العربية، وهى فى غالبيتها غير بعيدة جغرافياً عن أوروبا، حتى الآن بوضع سياسات أو التخطيط لتأهيل وتدريب شرائح من القوى العاملة فى بلدانها لكى تكون موضوعاً لاتفاقيات محددة فى المستقبل مع دول الاتحاد الأوروبى من أجل تنظيم هجرتها إليها حسب حاجات تلك الدول.

إن الزيادة السكانية فى عديد من الدول العربية تشكل، ولا شك فى ظل الأوضاع والسياسات المطبقة حالياً فى معظم تلك الدول، عبئاً حقيقياً على شعوبها ذات الموارد المحدودة، إلا أنه حقيقى أيضاً أن إعادة تخطيط وتأهيل وتدريب ذلك المورد الرئيسى لأى اقتصاد ناجح ومجتمع متقدم، وهو القوى البشرية، لتتم الاستفادة منه بطريقة صحيحة فى داخل البلاد أو خارجها- سوف تحوله من عبء إلى ميزة نسبية مهمة لاقتصادات تلك الدول يمكن لها أن تغير كثيراً من الأوضاع الحالية القائمة فيها.