مقالات

طارق الزمر | يكتب : على ماذا نتمرد؟!

طارق الزمر

لا يكاد أى دارس للقانون الدستورى أو النظم السياسية أو أى متابع للشئون السياسية فى العالم من حولنا إلا أن يصدم من جراء الحفاوة والتهليل المبالغ فيهما لما سمى حملة تمرد، وكأننا أمام عمل عظيم يجب أن نتباهى به أمام العالم، أو أننا قد وقفنا على ابتكار جديد يمكن أن ندشنه فى عالم العلوم السياسية كأول اختراع مصرى فى عصر ما بعد الثورة، والحقيقة أن الثورة التى أسست للكثير من أوضاعنا الجديدة وغرست لدينا العديد من القيم والسلوكيات ما كان لها أن تسعد بوصولنا إلى هذا الموقف ولا أن تعتبرنا قد أفدنا منها بالحد الأدنى من الإفادات التى تفيدها الأمم من ثوراتها، فالثورة تعنى استمرار التقدم واستمرار تعميق القيم والمفاهيم وتكريس الممارسات التى أسست لها، ولا تعنى بحال العمل على هدم أهم ما أنجزته، وبالأحرى والأولى عدم الثورة عليه!!

أقول هذا وقلبى يعتصر ألما على ما ضاع من شهور طويلة من عمر الثورة ونحن مازلنا نبحث عن نقطة البداية للمشوار الجديد الذى لن يكون قصيرا ولن يكون سهلا، لأن الكثير من الأمم والشعوب والدول التى ليست بأفضل منا قد سبقتنا بمسافات، وأصبح اللحاق بها وتعويض ما فات من المعجزات التى تحتاج إلى اختصار الكثير من الأوقات وتجاوز العديد من العقبات وابتكار الحلول التى يجب أن نبتكرها، وإلا ظللنا نسير فى المحل أو ندور حول نقطة واحدة لا نغادرها، هل يمكن بعد هذه الثورة العظيمة التى شهدها العالم وشهد لها أن نقف لمدة عام كامل نشكك فى شرعية أول رئيس اخترناه بإرادتنا الحرة؟! ونبحث عن كل الوسائل غير الشرعية لننقذ أنفسنا من الرئيس الوحيد الذى انتخبناه بأنفسنا؟! وفى هذا المجال طرحت وتطرح كل الأفكار التى ليس لها علاقة بعالم السياسة أو الحكم الرشيد ابتداء من المجلس الرئاسى المدنى أيام أزمة محاولة اقتحام الاتحادية، وصولا للمطالبة ببرلمان شعبى وحكومة موازية والتهديد المتواصل بمقاطعة الانتخابات، والأخطر من كل ذلك هو دعوة الجيش لاقتحام السياسة ودعوة الولايات المتحدة للتدخل والشكوى للأوروبيين والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. هل يمكن بعد هذه المطالب الانبطاحية بامتياز أن نزعم أننا نعيش حالة ثورة؟ أو أننا من الثوار الذين أنجزوا هذه الثورة؟! أو أننا نسعى لاستكمال الثورة؟! وهل هذه أساليب أو وسائل تستعملها الثورات؟! أم هى وسائل الثورات المضادة؟!

إننى لا أستطيع أن أنكر أن العامل الإيجابى الوحيد فى هذه الحملة بمعايير ثورة 25 يناير هو إقلاع الشباب أو تراجعهم عن الملوتوف وقطع الطرق والعنف عموما، وذلك لكى ينخرطوا فى تجميع التوقيعات وهو ما يعنى إعلانا صريحا بفشل العنف فى التغيير فى مصر بعد الثورة، وهذا ما يجب أن نسعد له ونستبشر بأن الثورة سترشد أفعال أبنائها، أما أن يكون الإقلاع عن العنف نحو هذه الوسائل التى يدّعون أنها وسائل مشروعة لنزع الشرعية عن أول رئيس منتخب فى تاريخ مصر، فهذا ما يرثى له وما يحتاج إلى مراجعة من النابهين والمخلصين. فلا يمكن تصور أن التغيير السياسى خاصة تغيير الرئيس يمكن أن يتم عن طريق التوقيعات كما تصور البعض من قبل أن تنصيب الفريق السيسى رئيسا للبلاد يمكن أن يتم عن طريق التوكيلات..

وأعتقد أن الفريق السيسى قد أعطى درسا فى الوطنية والإخلاص لكل من تصور أن هدم الدولة المصرية يمكن أن يستند إلى الإغراء ببعض المناصب أو بجعل منصب الرئاسة يداعب خيال كبار الضباط.. إننى أعتبر أن فكرة تمرد تعد انحرافا عن الطرق الرئيسة للتغيير أو بمعنى أدق هى دخول فى متاهة لا حدود لها أو دخول فى حارة سد إن جاز التعبير إن الحقيقة التى لا يمكن تجاوزها علميا وسياسيا وقانونيا أن هذه التوقيعات وإن توفرت لها معايير النزاهة وهو ما تفتقده بقوة حتى الآن لا تتجاوز حدود وقيمة استطلاع الرأى التى توفر فحسب توجيها أو ترشيدا للحكم يجب على أهل الحكم الالتزام به ما بقى لهم من عمر دستورى فى السلطة ولا يمكن فى الحقيقة اعتبارها وسيلة لنزع الشرعية عن أحد أو إضفاء الشرعية على أحد وإلا فما قيمة أو فائدة صناديق الانتخابات؟!

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى