أعمدة

طارق الشناوي | يكتب : العنف خلف «أسوار القمر»!

طارق الشناوى

العنوان «أسوار القمر» يمنح الجمهور تذكرة لرحلة رومانسية، ومع البدايات أخذت أمنّى نفسى بأنى سوف أعايش تلك الحالة، التى اشتقت إليها كثيرا، إنه التحليق ورهافة المشاعر هكذا كان يَعِد السيناريو الذى كتبه محمد حفظى بحالة رومانسية، بينما المعالجة الدرامية لحفظى والرؤية الإخراجية لطارق العريان أحالتاه إلى شريط سينمائى، ينضح بقليل من الرومانسية، وكثير من الدموية. إنه فيلم أكشن من الطراز الأول، مُغرِق فى عنفه ومعاركه الضارية التى لا تسمح لك بالتنفس.

طارق دائما ما يملك أدواته فى تلك النوعيات من الأفلام مثل الباشا و الإمبراطور و تيتو وغيرها، ربما باستثناء فيلم مهم ومختلف جدا على خريطته السلم والثعبان ، حيث كانت المشاعر هى المنبع، الذى تدفقت منه الأحداث، وهو الفيلم الذى شهد أيضا بدايات الكاتب محمد حفظى بموهبة ومنطق فنى يحمل بصمته الخاصة.

علينا أن نشاهد الفيلم بعيون صنّاعه، وليس بما أوحى به العنوان، ولا حتى هذا الحوار العابر الذى يرسم تلك الصورة الشاعرية للأسوار التى تحيط بالقمر، حيث يسكن موتانا الذين أحببناهم، ونتواصل معهم كلما تطلعنا إلى القمر.

منى زكى الحائرة بين رجلين لا تستطيع تحديد موقفها، تقف دائما على الخط حتى وهى مع أحدهما ترنو إلى الآخر، ليس بينهما مَن هو مثالى، تريد من كل منهما شيئا لتكتمل به، اختارت أولا عمرو سعد بمشاعرها، فهو تلقائى جذاب ولا يحسب شيئا، فقط يعيش اللحظة، متهور وعصبى، ولا يفكر ماذا بعد أن يعشق منى فيتزوجها، وعندما يكتشف أنها قررت أن تهرب منه يبكى تحت قدميها مثل الأطفال، ثم سرعان فى لقطة تالية ما يفقد عقله، تفقد عينيها بسبب تهوره، ويعانى هو من عجز فى الحركة.

على الجانب الآخر آسر ياسين المنطقى الذى يحسب كل شىء بدقة. تختاره بعقلها الواعى بعد أن أقامت قضية خُلع ضد زوجها الأول الذى يخسر فى النهاية كل شىء. الأحداث تبدأ بصراع على الشاطئ بين الزوج الحالى آسر ياسين وطليقها عمرو سعد، وتؤدى منى زكى دور الكفيفة، التى فقدت أيضا ذاكرتها، وتتعاطف معها كمشاهد، وهى فاقدة كل شىء، البصر والذاكرة وتعيش لحظات الرعب بين رجلين لا تعرفهما.

ما شاهدناه هو صراع أسود نتيجته الحتمية يا قاتل يا مقتول ولا طريق ثالثا. يتلقى عمرو ضربات من آسر تضعه على مشارف الموت، ويلقى به آسر فى عرض الطريق، وينطلق فورا إلى البحر فى يخت أطلق عليه اسم زينة ، وحتى يتأجج الصراع نرى عمرو يلاحقه بلياقة بدنية فائقة لا تستقيم مع حالته البدنية.

السيناريو الذى كتبه حفظى وشاركه فى الحوار تامر حبيب ينتقل بين اللحظة الآنية والزمن السابق، من خلال صوت لشريط حياة منى زكى سجلته على الموبايل قبل أن تفقد الذاكرة، الإحساس الصاخب يثير شهية المخرج طارق العريان بمجموعة متلاحقة من المعارك الدموية بين البطلين حتى نصل إلى الذروة غرق اليخت ، ميكانيزمات المقاومة فى اللحظات الحاسمة دائما ما تتجاوز قدرات البشر، وهكذا شاركت منى فى واحدة منها، وحبست عمرو فى غرفة، وإن لم تكن تدرى هل هى أوقعت بمن يشكل خطرا عليها أم من كان عليها الحفاظ عليه. منهج العريان هو التشويق حتى الكادر الأخير، ويعود عمرو، لتستقر مع مَن اختارته بقلبها ومشاعرها، لكن هل تناجى الرجل الثانى، الذى رحل خلف أسوار القمر؟ تضافرت لمحات مديرَى التصوير نزار شاكر وأحمد مرسى، وموسيقى هشام نزيه، ومونتاج ياسر النجار فى تشكيل الحالة السينمائية القائمة على التشويق، الذى يقف على حدود الرعب.

الفيلم يمنح مساحة متساوية لنجميه عمرو سعد وآسر ياسين، عمرو وقتها قبل أربع سنوات فى أثناء تصوير الفيلم كان لا يزال يراهن على الممثل ونجح بنسبة لا بأس بها. آسر تفهم أبعاد الشخصية تماما. منى زكى ملأت الشاشة حضورا وإبداعا ووهجا ولمعانا فى شخصية درامية تتكئ على قدرات خاصة فى التعبير بسبب كل هذه التناقضات، وهو ما برعت منى فى تحقيقه بحالة مزاجية عالية، ومع كلمة النهاية أسأل: لماذا كل هذا العنف خلف أسوار القمر ؟!

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى