مقالات

عبدالغني الحايس | يكتب: حكاية ثورة

الحايس 1

 

أيام يناير وقبل تنحى مبارك وبعد نزول الجيش كانت عاليا ابنتى عمرها أربعة أشهر طلبت من والدتها أن تحضر بها إلى الميدان ومعها عمرو وعلاء أبنائنا إلى ميدان التحرير قلت لها المصريين بيصنعوا تاريخ جديد وتلك لحظة يجب أن يعيشوها بكل مافيها وما يأتى بعدها حتى لو لم يدركوا ما يحدث حولهم لصغر سنهم .
فغداً ستمر الأيام والسنين ولكن ستبقى ذكرى يناير فى ذاكرتهم أنهم كانوا هنا فى ميدان التحرير حولهم شباب يرفع العلم بيدية والأخرى تتصدى للرصاص شباب يحلم بالتغيير وينادى عيش حرية كرامة انسانية .
شباب كسر حاجز الخوف والصمت وخرج عارى الصدر ليواجة جحافل الشرطة المدججة بالسلاح لم يخاف الموت وهو يصرخ بأعلى صوتة حرية حرية مما جعل بارك أوباما وقتها ليقول يجب أن نربى أبنائنا ليصبحوا كشباب مصر .
وجعل الرئيس النمساوى فيشر يقول شعب مصر يستحق جائزة نوبل للسلامأ وجعل رئيس وزراء بريطانيا يقول يجب أن ندرس الثورة المصرية فى المدارس، وتوالت الإشادات من كل حدب وصوب تؤيد حركة الشباب المصريين السلمية .
كنت أجمع أولادى كل يوم لأحكى لهم تفاصيل كل يوم من أحداث الثورة المصرية، وأدعم ذلك بصور لهم فى كل أرجاء الميدان حتى بعد تنحى مبارك .
كان الحراك الشعبى يزداد وحالة من السخط العام على النظام الذى تجبر وطغى وظهر الفساد فى البر والبحر وحتى الهواء ومبارك فى عليائة يقول خليهم يتسلوا غير مبالى بمعاناه الشعب وتردى كل الأوضاع فى البلاد .
وكان بوعزيزى فى تونس حافز لاندلاع ثورتهم والإطاحة بطاغية تونس دفعة قوية أننا نستطيع وكان حادث خالد سعيد واشتعال مواقع التواصل الاجتماعى فرصة على تجميع الشباب ومن قبلها حركة كفاية والجبهة الوطنية للتغير وظهور  البرادعى فى ثوب المخلص ولا للتوريث ونشأة الحركات الثورية فقد كنت عضو سابق فى 6 ابريل ثم شباب من اجل العدالة والحرية حتى انتخاب مرسى .
وبدأ الشباب فى التجمع فى النقاط المحددة سابقا على موقع كلنا خالد سعيد وسط غياب من القوى السياسية من احزاب وجماعة الإخوان المسلمين بدعوى ان ذلك اليوم هو عيد للشرطة المصرية وعلى حذر من غضب النظام اذا فشلت التظاهرة. ولكن خرج الشباب وكان اقصى طموحة هو تغير حبيب العادلى واعلى معدلات الطموح هو تغيير الحكومة .
ولكن الشرطة كان على اهبة الإستعداد فى كل ارجاء المعمورة تتصدى للتجمعات بكل عنف وقسوة بالرصاص الحى والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياة لمحاولة فض تلك التجمعات والتى بدات فى الزيادة على مدار اليوم .ووسط تجاهل من التلفزيون المصرى لحركة الأحداث حتى خرج علينا صفوت الشريف ليقول ان هناك مظاهرات محدودة لا تتعدى المئات وقد سيطر الأمن عليها ولكن المحطات الأجنبية والجزيرة كانت تنقل الحقيقة كاملة ومع مرور الوقت ازدات سخونة الأحداث وخصوصا فى السويس بعد سقوط اربعه من الشهداء هناك وكذلك فى باقى المحافظات وبدأ الأمر فى الخروج عن السيطرة ويقابلها عنف مفرط من الشرطة وحرب عصابات بين الثوار وافراد الشرطة ووسط حملة اعتقال بل خطف كثير من شباب الحركات الثورية والمتظاهرين. وكل ذلك ادى الى عدم التراجع وجعل سقف الطموح يزداد مع سخونة الأحداث . حتى كانت جمعة الغضب والثوار يرددون الشعب يريد اسقاط النظام وارحل ارحل .
كنت كل لحظة ادرك انها اخر لحظاتى وان الشهادة ستكون من نصيبى وقت ان تم اقتناص زميل لى بجوارى مباشرة وقتها احسست بالفزع والرعب وحالة من الهستيريا منظر الدماء وهى تنهمر من جسد الشاب الذى سقط بجوارى لن انساه مدى الحياة ومازال متعلق فى ذهنى حتى الأن ومن الممكن ان اكون التالى ولم أبالى .
كنت اجلس عند عودتى للبيت لتغير ملابسى مع ابنتى الصغير لأحكى لها عن قوة وصمود الشباب واننا لن نتراجع حتى يسقط النظام وتعود مصر للمصريين .كنت اسير فى الميادين انظر الى الوجوة وكانى اعرفها كل متواجد فى الميدان لدية حلم وأمل لدية شكوى ووجع عيونهم بها اصرار بها غضب كنت اخرج قلمى واكتب ياترى بماذا يفكرون هل يحلمون بالغد المشرق الذى ننتظرة ؟
وعدنا الى الميدان لنسمع أول خطابات حسنى والذى جاء بعد فوات الأوان والذى غاب عن ذهنة ان الشعب خرج ولن يعود وان الشعب قادر على حماية نفسة ومنشأتة وقد تشكلت اللجان الشعبية لحماية الممتلكات من غدر النظام وبلطجيتة ولمواجة الإنفلات الأمنى .
ثم حدث هروب المساجين بل فتح السجون ليزداد الأمر سوء .ثم تم اختيار عمر سليمان نائبا لمبارك ولكن الوقت كان قد فات ونزل الجيش ليحمى الشعب وليس شرعية الرئيس وتم الهتاف الشعب والجيش ايد واحدة وقتها ادركت الأمان وطلبت وقتها من زوجتى يجب ان يشارك اطفالنا فى الحدث وقد كان .
وبعد نزول الجيش أصبح الميدان امن وجعل كثير من الشعب فى التوافد على الميدان وبدأت الأحزاب الغائبة والشخصيات العامة فى الظهور فى الميدان وظهر رجال كل العصور يركبون الموجة ويتسلطون على الثورة ويحاولون الدخول فى المشهد والحصول على جزء منها او الاستحواذ عليها وسط نبل من الشباب الذى خرج ليواجة الموت وقت ان كانوا امنين فى بيوتهم .
ثم تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الفريق احمد شفيق وقد رفضها الشعب فور اعلانها وان الشعب يرفض اى شىء سوى سقوط مبارك بكل زبانيتة .
وتوالت ردود فعل الحكومات الغربية تطالب بضرورة الاستجابة لمطالب الشعب ووسط حماية الجيش للمتظاهرين ولكننا كان لدينا اصرار على استكمال حلمنا دون النظر الى إملاءات الغرب .
حتى كانت كلمة مبارك الثانية والذى يتعهد فية بعدم تولية لفترة اخرى وانه لم يكن يوما طالب سلطة أو جاة وان لا ينسى الشعب ما قدمة حربا وسلاما لمصر وان على ارضة سيموت وان نترك الحكم للتاريخ ليقول كلمتة عن فترة حكمة وقد نجح هذا الخطاب فى خلق حالة من الإنقسام بين مؤيد لمبارك مرددين ندعة يستكمل مدتة الرئاسية واخرون يرون انها مراوغة من النظام حتى انتهى ذلك الجدل بموقعة الجمل وما حدث فيها من قتل وحرق وصنع حالة من الحرب الأهلية وكنا نسمع قبلها عن ازدياد الأعداد فى ميدان مصطفى محمود المؤيدة لمبارك ثم جاء الخبر كالصاعقه علينا عندما علمنا ان هؤلاء يريدون ان يأتوا الى التحرير لإقتحام الميدان وقد تحدث مجزرة لا محالةثم حدث اشتباك وتراشق بالطوب وقد اصابنى ذلك الطوب واستمر النزال حتى جن الليل ووسط ضرب ملتوف وقناصة وبلطجية واصرار من الثوار على حماية الميدان حتى كان لنا ما أردنا وتم السيطرة على الميدان .
لا انسى فى الصباح عندما ظهر نور الشمس ورأيت منظر الميدان وكم الحجارة التى فى ارجاء المكان جراء ذلك اليوم العصيب .وتم ضياع خطاب مبارك العاطفى بعد موقعة الجمل ولا سبيل غير رحيلة ونظامة .فقد تحول الميدان الى وطن وسندافع عنه حتى اخر نفس .
كان الميدان بة حالة كاملة من التكافل والتكاتف غنينا رقصنا تسامرنا تصادقنا اكلنا وشربنا معا كانت ارض الميدان سريرنا وسمائة غطائنا كنت انام فى الخيمة وكأنها بيتى كنت تجد الفقير والغنى العامل ورجل الأعمال كانت هناك كل الوجوة المصرية كانت هناك مصر .
وكانت اول اخطاء الثورة هو الجلوس على مائدة التفاوض مع النظام عن طريق عمر سليمان متناسيين المتواجدين بالميدان .مع قيام النظام بالافراج عن بعض الشباب المخطوف فى سجونة لابداء حسن النوايا ولكن كلنا كنا نرفض التفاوض .
ومع ان الثورة ليس لها قائد منذ البداية ولكن خرج كثيرون يتكلمون باسم الثورة ويعتقدون فى قرارة انفسهم انهم هم الثورة كان من اخطائها وسبب فى انهزامها بعد ذلك .
ثم جاء خبر انعقاد المجلس العسكرى بشكل دائم بدون مبارك ان ذلك بداية امل وحلم وامنية .ولكن خرج مبارك للمرة الأخيرة يخاطب الشعب ويتودد لهم مرة اخرى والميدان فى حالة صمت لسماع كلمة مبارك لعلة يتنحى ولكنه فوض عمر سليمان باختصاصات رئيس الجمهورية وانه لن يستجيب لأى ضغوط اجنبية ثم هاج الميدان ولم نسمع باقى الخطاب وانما الجميع خلع الأحذية ليرفعها عالية ويهتف ارحل ارحل فى حالة من الهيستريا ردا على خطابة .
ثم كان رد الفعل بعد الخطاب هو ان نتجة الى قصر العروبة لاقتحام القصر وليحدث ما يحدث وتم تطويق القصر بخلاف كل ميادين مصر وحالة الضجر فى ميدان التحرير وكانت الجمعة الأخيرة لمبارك وكان يوما طويلا جدا حتى خرج عمر سليمان ليلقى البيان الذى انتظرناه طويلا ايها المواطنون فى هذة الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخلية عن رئاسة الجمهورية وتكليف المجلس العسكرى بادارة شئون البلاد والله الموفق والمستعان، سقط النظام الحمد لله سجدت لله شكرا فى مكانى وسط دموعي، ثم رأينا تحية اللواء الفنجرى لشهداء الثورة الذى ضحوا لحرية بلادهم.
وانتهى أجمل 188 يوم من عمر الثورة المصرية ليبدا عهد جديد اخر

المقال هو من رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي  

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى